المقالات

العلامة الخطيب السيد جابر أغائي "قده" .. أبي ذر زمانه


السيّد حَيدَر الحَسَني البَغدادي *||

 

*باحث ومؤرخ

 

إذا كان لنا أُسوة بالقادة التأريخيين كُلٍ بحَسبَ مَنهَجِه وَإسلوبه ، فإن للخطيب المجاهد العلاّمة السيّد جابر أغائي "قده" أسوَة بالصحابي المجاهد الثائر أبي ذر الغفاري "رض" المعروف بثوراته ضد ظُلم وجور سُلطات وأصنام زمانه الذين بدأوا بالإنحراف عن الدين الحق ، فما كان منهُ "رض" إلاّ الثورة والتصدي لفضح هؤلاء على منابر الحق ، فكان أن دفع ثمن مواقفه الشُجاعة والصريحة هذه بأن تم الإعتداء عليه وتهديده ثُم نفيه والجعجعة به حتى توفي وحيداً في (الربذة) ، أي أنها ضريبة الحق التي يدفعها كُل من يَتَصَدّى لِفَضح الباطل وقوى الظّلام في كُل زمان ومكان ، وهذا ما كان عليه أكيداً خطيبُنا المجاهد العلاّمة السيّد جابر أغائي "قدّس سرّه" .

والسيّد أغائي هو سليل أُسرة عربية المحتد عراقية المنبت بحرانية الجذور ، فهو ينتمي إلى فرع من السادة آل الغريفي الموسوي الأسرة العريقة واسعة الإنتشار في العالم الإسلامي والتي أنجبت العشرات من المراجع والعُلماء والخطباء .

ويُعد السيّد أغائي من الخطباء الروّاد القلائل في النجف الأشرف ممن عُرِفَ بِنَهجِهِ التَجديدي وَالتَطويري في الخطابة سَواء على صَعيد المضمون أو الإسلوب وَالأداء ، وَعُرف عَنهُ شَجاعة الطّرح والصّراحة المتناهية بإسلوب تَتَذوقهُ مُختلف المستويات الثقافية الرفيعة والمتواضعة .

وبسبب نَهجِه الخطابي التوعويّ وَخصوصاً في زَمَن حَرِج حَدَثَت فيه صدامات فكرية وثقافية شديدة في العراق عموماً وفي النجف الأشرف خصوصاً عاصمة التشيّع في العالم ، فإنّه وبسَبَب وَعيه تَعرّض إلى حرب تَسقيطيّة مَفتوحَة لا تَزال آثارها مُستمرة إلى اليوم للأسف الشديد .

وكانت الحرب عليه من قبل القوى التجهيلية تَتخذ مُختلف الأساليب والطُرق التي هدفها الأول والأخير تَسقيط وإسكات هذا الصوت العلوي الحسيني المهدوي الهادر الذي ألهب مشاعر الطبقات المظلومة والمستضعفة من قبل المتلبسين بلباس الدين والدين من أفعالهم براء .

ويَبدو أن التأريخ قد سَجّل هذه التُهمة الباطلة من قبل هؤلاء ضِد كُل من يسعى لفضح السياسات الإستكبارية الغربية كما حدث لمراجع وعُلماء كبار كالمرجع الشيخ مُحمد الحسين كاشف الغطاء والمرجع السيد روح الله الموسوي الخميني والعلاّمة الحجة الشيخ مُحمد جواد مُغنية وآخرون .. وطبعاً كانوا جميعاً براء من هذه التُهمة التسقيطية الجاهزة ضد كُل من يُجاهر بالعداء للإستكبار العالمي وعُملاءه .

ومن صور التسقيط ومُحاولات إسكات هذا الصوت الحسيني هي ما شهدناه بأنفُسنا من أحداث أو ما سجلناه للتأريخ مما حدّثنا به بعض الذين عاصروا تفاصيل الصدامات والصراعات والحروب التي شُنّت على العلاّمة الخطيب السيّد جابر أغائي وعُلماء آخرين كالمرجع السيّد حُسين الحمامي والحجة الشيخ أغا بزرك الطهراني وآخرون لا لشيء سوى لإمتناعهم عن تأييد فتوى تكفير الشيوعيين لوجود الكثير من المغرر بهم من الذين لا يعلمون بحقيقة هذا الفكر الإلحادي الخطير خصوصاً مع عدم الفراغ الإسلامي (التنظيمي) الذي إستفاد منه الخط اليساري آنذاك .

ومن ذلك ما حدث للسيد أغائي في مسجد البهبهاني قرب الميدان القديم في النجف الأشرف عندما كان يقرأ مُحاضراته الإسلامية في موكب عزاء السواق فدخل عليه بعض البلطجية والشقاوات المرتزقة أبرزهُم ( ن ب أ ) و( س ع خ ) و( س ص ك ) و( س ح ) وآخرون ، فقاموا بالصراخ عليه "قدس سره" وهو على المنبر وأنزلوه بالقوة من المنبر بدعوى كونه (شيوعي) المرجعية !! وبعد أخذ وَرَد من قبل الحضور الحسيني الذين دافعوا عن الخطيب أغائي حدث ضجيج إضطرّهُ إلى أن يقطع مُحاضرته ويجلس بجانب المنبر ليقطع دابر الفتنة .

وبعد ذلك ذهب السيّد جابر أغائي إلى جده الإمام الحسين "ع" ليَبث هَمّه وما لَقيه من حفنة البلطجية المرتزقة هؤلاء ، وما هي إلاّ سنوات قلائل إلا ويُصاب زعيم هذه الحفنة الضالة ( ....... ) بمرض خبيث توفي على إثره بعد عذاب مرير فأصبح حاله هذا حديث الناس في أن ما أصابه كان من كرامات السيد جابر أغائي وما وقع عليه من ظُلم وبُهتان .

وفي موكب عزاء الحفارين في محلة المشراق هَجَم عليه أيضاً مجموعة بلطجية أُخرى ولكنّهُم لم يُفلحوا بسَبَب الموقف الحسيني المشرف لأصحاب العزاء في الموكب الذين دافعوا عنه وَوَفّروا لهُ الحماية اللاّزمة .

كما حدّثني أحد الثقات ممن تَختَزن في ذاكرته أحداث وَتَفاصيل كثيرة حول تلك الحقبة وهو من أعضاء موكب عزاء الخبازين في حُسينية (خليل) في محلة المشراق بأن بعض أزلام الأمن البعثيين في أواخر ستينيات القرن الميلادي الماضي أبلغتهُم بعدم السماح للسيد أغائي بالخطابة في مجلس عزاءهم مع تحذير ووعيد من المخالفة مما أدى إلى إلغاء هذا المجلس .

وطبعاً فإن إيمان وشجاعة السيّد جابر أغائي أقوى من إرهاب قوى الجهل والتجهيل هذه بل أنهُ زاد من إصراره على توعية أبناء الأمة الإسلامية ممن كانوا يتشرفون بحضور مجالسه الحسينية سواء في العراق أو خارجه .

ومن مواقفه الجريئة الشجاعة ضد النظام العفلقي البعثي ما حدث لهُ في مدينة العمارة بمحافظة ميسان جنوب شرق العراق عقب زيارة الطائفي المقبور خير الله طلفاح (خال الطاغية المقبور صدام ووالد زوجته) في سبعينيات القرن الميلادي الماضي إلى المرجع آية الله العُظمى السيد مُحمد الحسني البغدادي "قدس سره الشريف" ومراجع آخرين كالسيد الخوئي ، حيث حصلت مُنازعة بين "طُلفاح" والمرجع البغدادي حول تفسير قوله تعالى [ كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. ] والتي حاول "طلفاح" أن يُفسرها بحسب مُشتهياته الطائفية القومجية العُنصرية المريضة ، بينما شَرَح وبيّن لهُ المرجع البغدادي البُعد الإنساني في تفسير هذه الآية الكريمة والمقيّد بمبدأ (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ولأنهُ  ـ طُلفاح ـ لم يقنع بذلك وحاول التّظاهُر بالتفقّه والمعرفة بعلوم التفسير ، عندها نهرهُ المرجع البغدادي بكلمات تأديبية شديدة ، فتناقل الناس هذه الحادثة في الدلالة على طائفية وغباء النظام العفلقي وشَجاعة وَعِلم المرجع السيّد البغدادي "قدّس سِرّه الشريف" ، وعندما تَحدّث السيّد جابر أغائي بهذه الحادثة في مجلس عزاء في مدينة العمارة بمحافظة ميسان ألقت السُلطات البعثية القبض عليه وبقي رهين الحبس جزاء جُرأته على عصابة البعث إسبوعين ولم يَخرُج إلاّ بعد وساطات .

وهكذا فإن السيّد أغائي لم تؤثّر فيه كُل العواصف التي حاولت إسكاته ، فكان يتحدث بالحقيقة ولو بإسلوب النُكتة والطُرفة الخالية من الحالة العدائية والمفعمة بأنوار الوعي ، ومن طريف ما يَتَناقَلَهُ المعاصرون لأحداث تلك الحقبة هي أن السيد أغائي وعندما تمت مُصالحته مع المرجع السيد مُحسن الحكيم ألقى السيد أغائي مُحاضرة في مجلس عزاء كان حاضراً فيه المرجع الحكيم ، ولكن السيّد أغائي فاجأ الجميع عندما سَرَد قُصّة حول فرعون مَصر وكيف أن الله سُبحانهُ وتعالى جَعلهُ يُربّي النبي موسى "ع" وَيَلعَب بشعر لحيته ويَنتفها لهُ دون أن يفعل لهُ الفرعون شيئاً ثُم ليكون موسى "ع" سَبَب هَلاكه ، وطبعاً فإن إيراد مثل هذه القصة في مثل هذه المناسبة فَسّره حضور مجلس العزاء على أنه غاية في الفن الخطابي والجرأة في النقد .

رحم الله الخطيب المجاهد العلامة السيد جابر أغائي "قدس سره" وألحقه بأجداده الأئمة الكرام البررة "عليهم السلام" والذين بذل الغالي والنفيس لأجلهم ولأجل الدين والمذهب

ـــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك