عادل الجبوري ||
في بيانه بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لرحيله، قال رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، بحق مفجر الثورة الاسلامية في ايران آية الله العظمى الإمام روح الله الموسوي الخميني (قدس سره الشريف): "رحل ذلك المجاهد العظيم الذي كان جامعًا لكل فضيلة، ولم يترك برحيله لأسرته مالًا ولا منالًا بل ترك لأمّته كنزًا لا يفنى، ترك من بعده الجمهورية الاسلامية خير ميراث من خير راحل لخير أمّة، إنها الخيمة العالمية لكل عشاق العدل والكرامة والتحرر، إنها عبقرية الإمام الذي أعاد الحاكمية لتدور بين قطبي الاسلام والمسلمين، بين عدالة الاسلام وسيادة الأمة ولا ثالث بينهما، وبهذا التحول التاريخي الفريد ترك الامام الراحل بصمته المقدسة لامعة على ناصية الزمان، وبعث الأمة من سباتها وجعلها تأخذ بزمام المبادرة لتصنع المستحيل، وتتقدم بعزم لا يلين، وسيلتها الى الظفر بصيرة لا تخطئ وصبر لا ينكسر وثبات لا يتزلزل ودماء لا تنضب، بهذا المنجز أرغم الاستكبار على التراجع والاعتراف بالهزيمة بعد أن قلت الحيلة وشحت الوسيلة، فلم يجد الاشرار إلا الأمنيات بأن يسقطوا النظام الاسلامي بالحرب والغدر والحصار والتجويع، فلم ينالوا شيئًا مما تمنوه، وكلما أمعنوا في الأذى ازدادوا بعدًا عن حلمهم المريض".
لعل هذه الكلمات تختصر وتختزل مسيرة حافلة لقائد تاريخي كبير، نجح في إحداث تحولات ومتغيرات هائلة في مجمل المشهد العالمي، حيث لم تأت تلك التحولات والمتغيرات بين ليلة وضحاها، بل إنها كانت نتاج تراكمات طويلة، اقترنت وترافقت مع حركة الامام الخميني(قدس)، ابتداء من مراحل عمره الأولى في مطلع القرن الماضي، الى ما بعد انتهاء رحلته الدنيوية في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة وثلاثين عامًا.
من جانب، يحكي المكان -حسينية جمران- الذي أدار منه الامام الخميني(قدس) مسيرة الثورة بعد انتصارها، وواجه شتى المصاعب والمخاطر والتحديات والمؤامرات، يحكي ذلك المكان البسيط المتواضع في أحد الأزقة بشمال العاصمة الايرانية طهران قصة الثورة وقائدها، ليؤكد أن الانجازات الكبرى يحققها الكبار أينما كانوا وكيفما كانوا، بصرف النظر عن طبيعة وحجم المكان.
وفي كتاب "لمحات من حياة وجهاد الإمام الخميني" يقول المؤلف "لقد دهش الصحافيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية الذين سمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته. دهشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع ووسائل المعيشة البسيطة لقائد الثورة الإسلامية الكبير، وان ما رأوه لا يمكن مقارنته بأي وجه من نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عالم اليوم. إن أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان إلى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء الصالحين".
ومن جانب آخر، تحكي سلسلة الضغوطات الهائلة التي تعرض لها الامام الخميني(قدس) من قبل السلطات الديكتاتورية الحاكمة قبل انتصار الثورة، متمثلة بالاعتقالات والملاحقات والتهجير والنفي، ومن قبل مختلف القوى الدولية والاقليمية بعد الانتصار، من خلال الحروب والعقوبات والحصار والاغتيالات والمؤامرات، وحكمته وصبره ورجاحة عقله في التعاطي معها، تحكي بعضًا من أسرار تحقق ذلك الانتصار، ومن ثم المحافظة عليه وترسيخه وتكريسه.
بعبارة أخرى، تجلت عظمة الإمام الخميني(قدس) في بساطته وتواضعه وتضحيته وجهاده وشجاعته ومبدئيته، فهو الذي وقف بوجه واحد من أبرز وأشرس طغاة عصره، في وقت كان يحظى ذلك الطاغية بشتى أنواع الدعم والإسناد الدولي والإقليمي، ويمتلك كل أساليب البطش والقمع والاستبداد، ويقود نضال الشعب الايراني على امتداد عقدين من الزمن ليتكلل بانتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه بعدما تعرض للاعتقال والمطاردة والنفي والتهجير لأعوام طويلة، ولتبدأ مرحلة جديدة من النضال والجهاد تخللتها تحديات كبرى ومؤامرات خطيرة ومخططات شائكة ومعقدة، كانت عناوينها الاغتيالات والحروب العسكرية والحملات الإعلامية والخداع والتضليل.
من يتحدث عن رحيل الامام الخميني(قدس)، لا بد له أن يتحدث عن كل محطات مسيرته، وكذا الحال في الحديث عن ولادته، أو الحديث عن الثورة بكل أبعادها وتجلياتها، ومنجزاتها، وحتى انتكاساتها وهفواتها، هذا اذا كانت هناك انتكاسات وهفوات فيها.
وكما قال وكيل المرجعية الدينية العليا في العراق، الشيخ محمد فلك خلال حفل تأبيني بمحافظة البصرة بمناسبة ذكرى رحيل الامام "لا يسع أي انسان منصف إلا أن يطأطئ اجلالاً واکراماً لما قدمه الامام الخميني(قدس) للأمة الاسلامية، وأعظم انجاز له في حقيقة الحال هذه الجمهورية الاسلامية الايرانية التي هي الان تناطح السحاب في علوها وارتفاعها وفي مقامها". وكما قال محافظ البصرة اسعد العيداني "ان التاريخ يشهد بأن وجود الجمهورية الاسلامية هو وجود ضمن القوی الكبرى، وهذا أسس علی أساس حقيقي وصحيح"، وبنفس المعاني والمضامين، صدرت كلمات وأحاديث من قبل العديد من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والاكاديمية العراقية.
واليوم - مثلما اكد العامري- ونحن نحيي ذكرى رحيل الامام الكبير، تكون الجمهورية الاسلامية قد تحولت الى جبهة عالمية في مواجهة الاستكبار، وأصبحت محورًا في الفكر والحضارة وخندقًا للمقاومة، تستهوي كل مستضعفي العالم كمدرسة خالدة جسدت الاسلام المحمدي الاصيل بكل معانيه، وكان الشعب العراقي هو الأكثر قربًا وتذوقًا لهذه التجربة الرائدة، والأكثر حبًا لهذا الامام الوارث، وكان الشهيد الصدر (قدس سره) والطليعة من المؤمنين والمجاهدين هم الأكثر ولاء وذوبانًا بهذا المسار الايماني القوي المنتصر، ونشعر بأن روح الخميني(قدس) الخالد حاضرة في كل افق اسلامي وتوحي لعشاقها ان الفرج قريب.
ولا شك أن الثورة الاسلامية في ايران استمدت جانبًا من عالميتها وحضورها وتأثيرها من شخصية قائدها الامام الخميني(قدس)، الذي كان وما زال وسيبقى رمزًا لكل دعاة الانسانية والتحرر والخلاص من الظلم والطغيان والاستبداد في ايران والعراق وفلسطين وأبعد من ذلك بكثير.