د. نعمه العبادي ||
بعد ان قررت المحكمة الاتحادية صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، ومنعتها من تقديم القوانين، والاقتراض، الامر الذي تسبب في ايقاف قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي، الذي كان محل نقاش في اروقة اللجنة المالية، تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين فريقي (المع والضد) لهذا القانون، وكان هذا الجدل يدور في مرحلة سابقة حول مدى شفافية وسلامة مشروع القانون دون الحديث عن اصل المسألة وجانبها المهم، وهو المغفول من كلا الطرفين.
المقارنة بين الموازنة وهذا القانون ليست منحصرة بالدرجة الاساس حول كمية الاموال المطلوبة في هذا الدعم بالقياس الى حجم الموازنة المفترض، وانما، ينبغي الحديث عن الادوار والمخرجات التي يفترض ان تؤديها الموازنة، ومن هنا يمكن تأشير جملة فوارق مركزية تتمثل في الآتي:
- الموازنة رؤية اقتصادية تعبر عن منظور الحكومة لمشاريعها في معالجة المتطلبات الاقتصادية والتنموية من خلال تحويلها الى تفاصيل مالية تتناسب مع السياسة النقدية.
- تقدم الموازنة مع وجود غطائها المناسب حالة طمأنة واضحة للمسار الاقتصادي والمالي لجميع قطاعات الدولة خلال السنة، وعادة ما تكون متصلة بما قبلها وما بعدها من الموازنات.
- تأتي من خلال نظرة شاملة تقدما كل مفاصل الدولة عبر تنظيما من خلال وزارة التخطيط على اساس القدرات والامكانات.
- تحمل الموازنة هوية واضحة لتوجهات الحكومة وموقفها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي مما يتيح للجمهور ممارسة عملية نقد تتوازن مع انطباقها وتوجهاته وحاجاته العامة.
- تقدم الموازنة فرصة اختبار موضوعية لكافة الادارات والمفاصل التنفيذية يتم على اساسها اعادة تقييم كفائتهم ونزاهتهم.
- ربط البناء التقليدي للموازنات العراقية السابقة جملة مصالح مهمة تخص طيف واسع من الشعب به، مثل التعينات وتثبيت العقود والتعاقد والعلاوات والترفيعات والتخصيصات الاجرائية، وهي قضايا بمجملها تحقق مخرجات تنعكس على ثلث الشعب او اكثر بشكل مباشر وعلى بقيته بشكل غير مباشر من خلال حركة العمل والسوق والنشاط الاقتصادي.
ان هذا البيان لخصائص الموازنة لا يأتي في اطار السجال المتعلق بقبول او رفض قانون الطوارئ، وانما يأتي في سجال الآثار والخسائر والانعكاسات التي تبدت جراء ما يسمى بالانسداد السياسي وتأخر تشكيل الحكومة وصراع المصالح بين الاطراف، والذي ابقى المشهد السياسي يرواح محله، وكان تعطل تقديم الموازنة واقرارها احد اهم نتائجه.
مما يجدر الاشارة إليه ان فلسفة تشريع القوانين تقتضي ان تكون محكومة بالمقاصد والمصالح بشكل يجعلها تؤدي الغرض الكلي المتمثل بتحقيق الامان والاستقرار والعيش الكريم، لذا، فإن قضية مثل " تحديد الكتلة الاكبر" لعبت دورا سلبيا في تشويش واضطراب المشهد السياسي، فماذا لو تم تحدد هذه الكتلة بمن حصل على اعلى الاصوات في الانتخابات، وهو امر واضح لا يقبل التأويل، وجرت السنة في تكليفه بتشكيل الحكومة بحيث يسعى بجهده لخلق ائتلاف عددي قادر على تمرير حكومته من خلاله، وهو ما يسهل عملية تشكيل الحكومة التي لا تزال تعاني ذات المشاكل بعد كل انتخابات..