محمد عبد الجبار الشبوط ||
"يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ؛ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". (يوسف 87)
هذه الاية يذكرها القران حكايةً عن النبي يعقوب بخصوص ابنه يوسف. وواضح من كلام يعقوب انه يطلب من ابنائه الذهاب الى البلد المعني والبحث عن اخيهم دون ان يتسلل الى نفوسهم اليأس من امكانية العثور عليه. ومعنى الاية كما يذكر العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في كتابه الكبير "الميزان في تفسير القران":"و معنى الآية - ثم قال يعقوب لبنيه آمرا لهم - «يا بني اذهبوا فتحسسوا» من يوسف و أخيه الذي أخذ بمصر و ابحثوا عنهما لعلكم تظفرون بهما «و لا تيئسوا من روح الله» و الفرج الذي يرزقه الله بعد الشدة «أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» الذين لا يؤمنون بأن الله يقدر أن يكشف كل غمة و ينفس عن كل كربة."
والكلمة الملفتة هنا تأتي في ختام الاية التي تصف اليائسين بالقوم الكافرين. والسؤال الذي يُطرح هنا هو: ماهي علاقة الكفر باليأس. وللاجابة عن هذا السؤال نحتاج الى معرفة المعنى الاصلي لكلمة "الكفر". وبالعودة الى معاجم اللغة العربية نجد ما يلي:
كَفَرَ الشَّيْءَ : سَتَرَهُ، غَطَّاهُ كَفَرَ عَلَيْهِ
كَفَرَ اللَّيْلُ الْحُقُولَ : غَطَّاهَا بِظُلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ
كَفَرَ الْجَهْلُ عَلَى عِلْمِهِ : غَطَّاهُ
ومن هذه المعاني يتضح لنا ان "الكفر" عبارة عن حاجز معرفي بين الانسان وبين شيء اخر الامر الذي يتسبب بجهل الانسان لهذا الشيء الاخر. انه لا يعني بالضرورة عدم الايمان بالله، وانما الجهل بقوانين الله في المجتمع والتاريخ وقدرته على انفاذ هذه القوانين. فالكفر جهلٌ، والجهل يسبب اليأس. والجملة :"إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، يمكن ان تعني "القوم الجاهلون".
وهذا ينطبق على حالة اليأس الموجودة الان في المجتمع العراقي. فمن الملموس ان هناك كمية كبيرة من اليأس والاحباط وفقدان الامل بامكانية الاصلاح والتغيير وعدم الرغبة بالعمل. ويمكن ايراد الكثير من الاسباب والعوامل التي تسببت بوجود هذه الحالة. ولا نحتاج الى الخوض في هذه الاسباب لانها معروفة. انما ما اريد التركيز عليه هو ان كمية اليأس التي اتحدث عنها ليست النتيجة المباشرة للاسباب التي يذكرها اليائسون في تعليقاتهم، وانما هي نتيجة مباشرة للجهل بقوانين التغيير وحركة المجتمعات. وهي قوانين من صنع الله بالنسبة للمؤمنين بالله. ولغير هؤلاء الحرية الكاملة في تفسير منشأ هذه القوانين. لان المهم ان نتفق على ان حالة اليأس منشؤها الجهل بهذه القوانين بغض النظر عن مصدرها.
ان معرفة دقيقة بقوانين المجتمع بما فيها قوانين التغيير كفيلة بتغيير موقف الانسان من الظواهر السلبية، وبالتالي كفيلة بمعالجة حالة اليأس في المجتمع.
اليكم بعض هذه القوانين:
اولا، ان السير العام لحركة المجتمعات يسير باتجاه تراكمي تقدمي، وان حالة الانتكاس والظواهر السلبية في المجتمعات تمثل استثناء من هذا القانون.
ثانيا، ان الصلاح والفساد في المجتمعات من عمل البشر، وخاضع لارادة البشر، وليس امرا قهريا لا يمكن الخلاص منه او تغييره.
ثالثا، ان تغيير الظواهر الاجتماعية السلبية (وهي تمثل البنى الفوقية للمجتمع) يتم من خلال تغيير المحتوى الداخلي للمجتمعات (وهذا هو البناء التحتي للمجتمع). والمحتوى الداخلي يتألف من فكرة مستقبلية اضافة الى ارادة تحقيق هذه الفكرة.
رابعا، ان الشرط الاساس للتغيير يتمثل في وجود الفكرة الصالحة او المبدأ الصالح الذي يفهمه المجتمع، و يؤمن به، ويطبقه بصورة صحيحة.
وهناك العديد من القوانين الاجتماعية التي كشف عنها القران، فيما احال على الانسان مهمة الكشف عن بعضها الاخر.
وبمعرفة هذه القوانين تتشكل ارضية الامل القوي بامكانية التغيير.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha