د.عطور الموسوي ||
الإيمان والعقيدة مفتاح النصر
في السابع عشر من شهر الله الفضيل للسنة الثالثة للهجرة المباركة، وقعت أول معركة في الإسلام وقد تجسّد نصر الله للمسلمين وهم قلة مستضعفة اجتماعيا واقتصاديا على جيش الكثرة ذي العدة والعدد، جيش جرار نتاج تحالف الشرك والكفر وخونة كتاب الله من اليهود مع أصحاب الثروات الذين وجدوا في الاسلام تهديدا اقتصاديا لهم، فلم يكن في تلك المعادلة أي معايير لتوازن القوى.
واقعة بدر الكبرى هي أول وأكبر انتصار في تاريخ الاسلام، وحري بنا أن لا تمر ذكراها الا ونتزود منها عزيمة تعيننا على تكالب أعدائنا علينا وشدة الفتن بنا، وما أشبه اليوم بالأمس، وقد عاد الاسلام محاربا من عتاة خلق الله والمستكبرين وقد حشدوا أهل النفاق ظهيرا لهم.
في واقعة بدر قاتل المسلمون والإيمان يملأ الصدور ويعمر القلوب، ويشعرون بالقوة وهم يرون بينهم خاتم النبيين قائدهم وهو يتقدم الصفوف ويبث في رجاله الحماس ويشحذ هممهم ميدانيا، يرتدي درعه ويتقدمهم باثّا فيهم الحماسة وهو يردد: "سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ".
في واقعة بدر شعر المسلمون بتحدٍ كبير وهو الوجود أو عدم الوجود، إذ قرر أعداؤهم القضاء عليهم وقرروا هم أن يغلبوهم إنه اليقين بأن الله معهم، وعقيدة راسخة بأنهم على حق.
في واقعة بدر تساوى السادة والعبيد والعرب والأعاجم بنسيج اجتماعي وليد اسمه المجتمع المسلم حيث لا فرق لعربي ولا لأعجمي ولا أبيض ولا لأسود الا بالتقوى إنها المساواة التي تعزز المعنويات وتصنع النصر.
في واقعة بدر علم الله ما في قلوب المسلمين فأيدهم بغيبيات تمثلت بملائكة مسومين، وببث الرعب في قلوب جيش الكفر ليحيل غرورهم الى هزيمة ولم تنفعهم كثرة عددهم وعدتهم.
في واقعة بدر كان المسلم يقاتل وهو يتوق للشهادة وهو يرى الجنة بين عينيه، بينما خشية الموت هزت معنويات جيش الشرك والكفار.
في واقعة بدر انتصر الايمان والتواضع لله على التكبر والعنت والاستعلاء على الخَلق، وها هو سيف فتى الاسلام علي يشطر رمز الشرك وعنوان الحقد الاموي الى شطرين، وسيف حمزة يثّني عليه بقتل عتل من عتاتهم، وها هو بلال العبد المعذّب يقاتل سيده الظالم المتعجرف ويرديه صريعا.
واقعة بدر الكبرى قرأناها ونحن صغارا ونظرنا اليها أنها حدث نادر لن يتكرر، وإذا بفتوى الجهاد الكفائي لسماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله) تعيد علينا ملاحم انتصار تلك الفئة القليلة التي غلبت فئة كثيرة بإذن الله.. نعم أذن الله بعد قرون عديدة أن تبث روح الايمان بنصره من جديد في قلوب آمنت بعقيدة حقة وقررت أن تحمي الأرض والعرض، وتنصر دينه وتنتصر على جيش الضلالة والاستكبار العالمي.
انتصر أبطال الحشد القادمين من ربوع الجنوب المعبّق بعطر شهداء قارعوا طاغوت ما شابهه أحد، وحملوا في جيناتهم رفضٌ لكل ظالم ومتكبر متسلّحين بعقيدة الولاء لأهل البيت عليهم السلام، وهبوا ملبين نداء المرجع الزاهد في دنيانا الدنية، والمنبعث من ذلك الزقاق العتيق المجاور لمرقد بطل الاسلام الامام علي عليه السلام الذي قام الاسلام بذي فقاره البتّار .
في سنوات قليلة مضت كان نصر الله مؤزرا لقلة محاصرة وممنوعة من كل دعم، وموجهة لها سهام النفاق العربي المتحالفة مع الكيان الصهيوني ودول الاستكبار العالمي ودليلهم شراذم العراقيين الذين باعوا وطنهم وعرضهم حقدا على العراق الجديد وتباكيا على طاغوته المقبور، انتصر متطوعو الحشد لإيمانهم بعقيدتهم ولوجود قادتهم معهم يتقدمون خطوط الهجوم بصدور عارية الا من قلب مؤمن بأحقية قضيته، ويجدون مرّ كأس الحمام شهداً مادام في عين الله وبابا للشهادة، فعادت مواقف واقعة بدر وانتصاراتها من عمق التاريخ لتكتحل بها عيون العراقيين وتعيد لهم أملا كاد أن يميته أعداءهم يوم دنست أرضهم تلك العصابات الضالة الهمجية.
وتلك هي قصة بدر التي نصر الله فيها عباده وهم أذلّة، وتلك هي قصة النصر في كل زمانٍ ومكان، أن نستحضر في أنفسنا نصرة الله وإعلاء كلمته فإن الله ينصرنا ووعده حق وصدق : " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، إنها مواجهة الباطل بقوّة الحق، والحق منتصر مهما تعاضدت قوى الباطل .
17 رمضان 1443
https://telegram.me/buratha