( ... وما ظلمونا ولكن كانوا انفُسهُم يظلمُون ) سورة البقرة الاية 57
الظُلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، ويُعرّف كذلك بالجور وتجاوز الحد ، وهو فعل يقدم عليه الإنسان بمحض إرادته في دوائر تعامله مع الله تعالى ومع الناس ومع نفسه .
فقد يتجاوز الإنسان حده مع شرع الله وبذلك يكون قد مارس الظُلم ولكن ليس في قبال الذات الالهية وإنما في قبال شرعه تعالى وعليه فمن المستحيل وقع الظلم على صاحب السلطان والقدرة المطلقة ( وما ظلمونا )
وعلى الرغم من جراءة مخلوق ضعيف في حق خالقه غير ان الله تعالى وعده بإمكانية الغفران الا ان كان الظلم بعنوان الشرك فوضع الشرك في مقام التوحيد هو عمل يُغلق في وجهه باب الغفران وفي الحديث الشريف عُبر عن هذا النوع من الظلم بأنه ظُلم لايُغفر.
أما تجوز الحد مع الناس كاالاستغابة او وضع اليد على اموالهم وممتلكاتهم أو السخرية منهم كل هذا يصب في جعل أحد الطرفين ظالم والاخر مظلوم وهذا النوع من الظُلم وصفه الحديث بأنه ظُلم لا يُترك فجزاءه أما القصاص أو العفو .
وأما النوع الثالث من الظُلم فهو ما يمارسه الإنسان في حق نفسه ؟ وكيف يكون ذلك وقد فُطر على حب الذات ؟! فهل يضر الإنسان نفسه ؟
نعم إنّ الإنسان فـُطر على حب ذاته فهو يدفع عنها ما يضرها ويستجلب ما ينفعها غير أنه يمكن أن يُقدم على تجاوز الحد في حقها ! وألامر يبدأ من دعوة النفس ذاتها للإنسان بإضرارها ! فكما وصفناها في حلقات سابقة بأنها كالطفل الذي يسعى لتحقيق رغبة ، وهي قوة جارفة ، مالم تتوفر حكومة عقلية تكبح جماحها .
وعليه فإن المدخل لتجاوز حد النفس وظلمها يكون عبر بوابتين الجهل والغفلة ، فالعقل إن لم يكن يتسم بالحكمة والمعرفة فإن مساحة كبيرة منه سيحتلها الجهل وبالتالي فإن اشرافه على النفس لن يكون بالسيطرة المطلوبة ، كما لو تناول الإنسان سُما ً ، أما الغفلة فهي تحدث وأن كان العقل حكيما ً فهي برهة زمنية تُفسح لنوافذ النفس بالافلات في صمت من العقل ، فزلة لسان هنا ونظرة شبهة هناك كفيلة بتحقق الغفلة ووقوع الظلم في حق أنفسنا ، لقد وصف الحديث هذا النوع من الظُلم بأنه ظُلم مغفور لا يُطلب ومشكلته في انه لا يُدرك الا عن بصيرة .
إن الظلم بين الناس يقع بين طرفين بإرادة أحدهما ، وبلا شك لابد من جزاء للظالم على أرادته لذلك الفعل ، أما المظلوم فيكون له الحدث بمثابة اختبار فإن جزع أو أنكسر فتح ابواب التراجع والتخبط وقد يمارس الظُلم لردء مظلومية !!! ومن جانب ثاني قد يتقبل الامر بصبر ويكله للسماء ويتعامل مع المعطيات الجديدة لاكمال مسيرته وهو امر لايخلو من ايجابية لانه لايترك بصمة ساكنة في نفسه وانما يتحول الى رد فعل عقلائي تجاه ازمة ، ولكن ان استطاع أن يستثمر المظلومية كنقطة انطلاق تدفعه وغيره للامام سيكون الامر في غاية الحكمة ويقف أمامه الظالم عاجزا ً ، إن خير من استثمر المظلومية إيجاباً هم أكثر ثُلة وقع عليهم الظلم الا وهم اهل البيت عليهم السلام تحملوها وصبروا عليهم واستثمرها لانارة دروبنا عبر اجيال
فأي فضلم تكرمتم به علينا ياهل بيت نبينا ص ؟
عن أمير المؤمنين المظلوم ( لايكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى الى مضرته ونفعك )
17 شهر رمضان 1443هـــ
https://telegram.me/buratha