رياض البغدادي ||
بسم الله الرحمن الرحيم
" وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) "
اختلفوا في قوله:" وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ "،والمعنى على أقوال :
الأول : انه الجوع الذي لحق بأهل مكة بعد رفضهم دعوة النبي (ص) لهم .
الثاني : هو العذاب الذي لحق بالمشركين يوم بدر من القتل والهزيمة .
الثالث : هو عذاب الأُمم السابقة التي لم يعتبر بها مشركو مكة .
الرابع : هو شدة الدنيا وتقلبات أحوالها .
واما قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ " ففيه وجهان :
الأول : هو باب الجوع والثاني : هو عذاب الآخرة، حيث يبلس المجرمون، والإبلاس هو اليأس من كل خير .
وهنا سؤلان :
الأول . لِمَ جاء "اسْتَكَانُوا " بلفظ الماضي و " يَتَضَرَّعُونَ " بلفظ المستقبل ؟ والجواب هو انهم عقيب المحنة لم نجد منهم استكانة، ومن هذا شأنه لا ننتظر منه أن يتضرع لله في المستقبل .
الثاني . العطف لا يحسن الا مع المجانسة، فأي مناسبة في قوله تعالى:« وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ » ؟ والجواب : إنما عطف السمع والأبصار والأفئدة حصل، لانها تشترك جميعا بأن الاستدلال موقوف عليها .
ثم بيَّن تعالى عظيم نعمه من ثلاثة وجوه :
الاول : إنه جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة .
والثاني : أن ذراهم في الأرض ،أي جعلهم متناسلين .
والثالث : أنعم عليهم نعمة الحياة التي بها يكسبون ثواب آخرتهم .
والرابع : نعمة اختلاف الليل والنهار ،وهي نعمة ظاهر بيانها . وبعد ذلك وبخهم تعالى الى تركهم النظر في تلك النعم والآيات .
كلام في الشكر
معلوم إن الحمد يعم النعمة الواصلة اليك والى غيرك، وهو غير الشكر المختص بالإنعام الواصل اليك خاصة، ولابد أن يعلم العبد، كيف يتم الشكر لله، ليستوفي حق الله تعالى بهذا الشكر، فالشكر لله لا يتم بمجرد قولنا:( شكراً لله )،كما يفهمها العوام، فشكر المنعم هو الإتيان بكل فعل يُشعر بتعظيم المنعِم، والأفعال إما أن تكون في القلب أو في اللسان أو في الجوارح:
فأما فعل القلب، فهو أن يعتقد العبد اعتقاداً راسخاً، بأن المنعِم موصوفٌ بصفات الجلال والكمال، وإلا لما كان قادراً على الإنعام بهذه النِعَم العظيمة .
وأفعال اللسان هو أن يستوفي العبد حق الله تعالى في ذكره، بما يستحقه من الذكر .
وأما فعل الجوارح فهو أن يجعل النعمة في طاعة الله، ولا يُسَخّرها في معصيته، فحق العين أن لا تبصر بها ما يُسخط الله، وحق السمع أن لا تسعى الى سماع ما يشين الأسماع الجالبة لغضب الله .
وبذلك تكون قد فهمت معنى الشكر وأديت ما يمكن منه، ومعلوم أن العقل السليم يشكر المنعِم، لكن شكره متوقف على مقدار ما يحيط به علمه من عظمة تلك النعمة، وهذه الإحاطة لا تتيسر لأكثر الناس، ولهذا وصف القرآن شكر العباد بأنه قليل، لان علمهم بعظمة تلك النِعم قليل ... والله العالم
https://telegram.me/buratha