كوثر العزاوي ||
لقد كانت فاطمية في دفاعها عن عقيدتها والمذهب، زينبية في شموخها ورعايتها لعيال الله، هي آمنة في احتضانها روح نهج محمد وآله الكرام، فلقد نسجت من الرضا ثوب صبرها في مجتمع يتأرجح بين الهدى والضلال سيما بنات جنسها في ظل الترويج لشعارات المساواة وتحرير المرأة، فعاشت "بنت الهدى"الهمّ الرساليّ الذي طغى على من عرفها لتبدو ابتسامتها ودمعتها مزيجًا يبعث النور في جبينها لتجعل منه سراجًا تستضيء به في ظلمة ليلها،ومالها من صباحها سوى زهرة الذكر تسبيحة تخالط سجدتها لتستوحي منها عبيرَ ماينتظرها من بوح ذلك العبير بهمس الملكوت، مداعبًا لها حلمًا راودها منذ الصبا، وقد كان يبدو محالًا عرفًا شمّ رحيق الشهادة لغيرالرجال! لكنها خرقت العادة لتغذي مشاعرها حتى استقر الحلم في غياهب المجهول الأجمل، ليتحول إلى حقيقة وهي تُعدّ النفس بعد الأربعين من العمر الذي قضته في خدمة الدين والمجتمع، فتحقق الحلم الذي عرج بها إلى مصافّ الصدّيقات،ولم تدع خلفها من حطام الدنيا ولا نزر من زينة وحياة! فكان الخَلَف لها ذلك الدور الرياديّ المتميز الذي تقمّصته في الدفاع عن القضية لتصل بحكمتها وعلمها وبصيرتها لتكون طبيبة للأرواح، وحكيمة تعِظُ التائهات في صحراء الدنيا،مداوية لمن أصابتها حمى التحرّر وهوس التقدّم الآتي عبر رياح الغرب باسم الحرية والديمقراطية آنذاك!! فكانت نِعمَ المتصدي والرادّ والمدافع، ماأحال حياتها وقْفًا لله وتشخيص أمراض المجتمع سيما المرأة في العراق والعالم الاسلامي، فمضت تفكّر وتبحث وتنظِّر وتكتب في كيفية الوصول بالمجتمع والأمة إلى أعلى مراقي السمو الإنساني، لتعرّف الناس معنى أن تكون المرأة إنسانة كما يريدها الله كريمة فاضلة، لا كما يريدها الناس انثى هابطة تتحرك بمفاصل جسدها كمن يعرِض سلعة للبيع بعد تزويقها!! فلقد حققت"بنت الهدى"ومن خلال الرسالة الإلهية العظيمة، نشر معالم الإسلام المحمديّ الأصيل بفكر وقّاد وأفكار سلسة كأنها السلسبيل، عندما كرّست ذائقتها الادبية التي تجسّدت في قصصها وهي تحاكي واقع المرأة بمختلف فئآته العمرية في بيان المفاهيم الإسلامية والتعاليم الإلهية بطريقة السرد السهل الممتنع لأحداث وقضايا من واقع صلب الحياة، فكان لها الأثر العميق في نفوس الفتيات فأحدثت ثورة على مستوى انتشار الحجاب في المدارس والجامعات، والاقبال على قراءة الكتب الدينية مما أثار انتباه وغضب السلطة البعثية الحاكمة فكان ماكان من قمع وارهاب، نعم! لقد تركت "الشهيدة بنت الهدى آثارها العلمية التربوية التعبوية التي أتحفت بها المكتبة الإسلامية وقد إمتازت بالعمق والأصالة والدعوة إلى الإسلام عن طريق اسلوب القصة المشوّق والمؤثر مما لايخفى على المتتبع كتاب الفضيلة تنتصر كنموذج من كثير ، والتي بيّنت فيه انتصار الفضيلة والتقوى على الرذيلة والفاحشة،وليس عسيرا على من اراد التعرف إلى آثارها العلمية والاستفادة منه، فلديها عدد من الكتب ومجموعات قصصية مختلفة فليطلبها في مظانها.
"فسلام لروحك الطاهرة وهي تزهَقُ عنوة تحت وطأة التعذيب الوحشي في دهاليز هارون زمانه"
٦رمضان ١٤٤٣هج
٩ نيسان ٢٠٢٢م