ا.د جهاد كاظم العكيلي ||
يلتقي الكثير من المهتمين بالشأن السياسي في نقطة واحدة حول مفهوم السياسة والتي أخذت أخيرا مفاهيم مُتعددة الأشكال والأنواع بفضل الإجتهادات النفعية، لكنها لا تخرج في كل الأحوال عن إطار ومفهوم واحد، ألا وهو، فن المُمكن وتغليب مصلحة طرف على طرف آخر ..
علي هذا الأساس نهجت دول عديدة السَير وفق هذا المفهوم السياسي، وتمكنت من بناء أوطانهم بناء رصينا سواء على حساب تغليب مصلحة بلدانهم على حساب مصالح دول أخرى أو تغليب مصلحة بلدانهم على حساب مصالح الساسة أنفسهم الذين يُمثلون بلدانهم بمختلف أطيافهم، وهذا النوع من السياسة كعنوان ومفهوم مُتبع في معظم بلدان دول الشرق إلا ما ندر ..
وبخلاف ذلك أصبح الأوطان بالنسبة للسياسيين وسيلة عبور لتحقيق المنافع الشخصية ومنافع القوى المتنفذة التي تتصارع وتتنافس من إجل أن تبقى أحدهما في السلطة لتتحكم في مصير ومستقبل أوطانها، من دون أن يكون هناك رؤى واضحة ومبرمجة للتنفيذ والتخطيط الواعي الذي من شأنه النهوض بواقعها بشكل حضاري ومدني أسوة بالدول الأخرى ..
وواقع الحال في العراق هو كذلك، فلا زالت الأحزاب المتنافسة على السلطة تعصف به بعد مضي ما يقرب من عشرين عاما وحتى الآن في صراع تنافسي مرير على كرسي السلطة، حيث تتجاذب القوى الأجنبية السلطة والكرسي لزرع أجنداتها السياسية ولكل أجندة أهدافها وغاياتها غير المشروعة ومنها تدمير الشعب نفسيا وزرع حالة اليأس والخنوع لما ينفذ ويجري من دون أن تلتفت القوى السياسية لذلك النهج المدمر الذي أتي على الأخضر واليابس، حتى جعلت منه بلدا لا يعرف التماسك على الأطلاق، في ظل مفهوم لبناء مؤسسات مدنية وخدمية، وأصبح الفساد ينخرها من كل حدب وصوب، وتغلب فيه مصالح أفراد بعينهم على مصالح عامة الناس، وتهاوت فيه حتى المنظومة القيمية الإجتماعية والإنسانية، وصار يُضرب به المثل في التراجع غير المتوقع على الإطلاق ..
هذا الواقع التراجع المخزي هو حصيلة غياب الرؤى السياسية التي تدير العملية السياسة، في البلد التي إنشغلت عقدين من الزمن تتنافس فيما بينها حول ما يسمى بالإستحقاقات السياسية من دون أن تضع نصب عينها إستحقاقات الوطن، فما فائدة أفضلية هذه المجموعة عن الاخرى ومصالح الناس العامة مهددة، إذ أصبحت الأصوات السياسية وتعاليها بين الأحزاب مثل أصوات الطلق الناري في الهواء، ليدمر سماء السياسة العراقية، التي ينشغل بها المنشغلون لكنها لم تصب أحدا غير الوطن، الذي يفقد من فرص بناءه مع تقادم الزمن ..
وقد إعتاد العراق والعراقيون على هذه الطريقة بعد كل عرس إنتخابي، لكن هذه الأعراس تنقلب أحزاننا عليهم، وهم ينظرون بعين الرحمة للمنقذ لهم وهو يحمل راية الحق والعدالة الساعي لبناء الوطن وليحقق لشعبه سعادتهم ..