كوثر العزاوي ||
عندما نقرأ الروايات التي تتحدث عن التمحيص في آخر الزمان ونتأملها جيدا، نجدها تتحدث عن انواع الفتن على الصعيد الفردي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى مستوى كوارث الطبيعة، وو.. الخ، غير أن الأشد من جميع الفتن التي تصيب الناس في آخر الزمان، هي"فتنة الدين" لأن بهذه الفتنة تنتهي عملية الامتحان والتمحيص، وهي الأساس للتمييز بين أنصار الامام المهدي "عجل الله فرجه الشريف" وبين غيرهم، سيما ونحن نعيش عصر الشبهات التي لايؤمَنُ شرّها،لكن السعيد مَن حجزتهُ التقوى عن التقحّم في الشبهات ومواطن السوء، أي من كُشفت له العِبر فتحقّقَ منها أثناء عمره مهما طال أو قصر ولابد له من الإعتبار لان العِبَر هي الامور والحوادث التي يَعتبِر بها الانسان بمايترتّب عليها من آثار وعقوبات.
ومايؤكد ذلك، ما ورد عن الإمام الكاظم"عليه السلام"قوله:
{والله لَتُغربلَنّ ثم لتُغربلَنّ ثم لتُغربلَنَّ ويسقط من الغربال خَلْق كثير ولا يبقى منكم الا الأندر الأندر}
وفي حديث للإمام الباقر"عليه السلام":
{والله لتميّزنّ، والله لتمحصنّ، والله لتغربلنّ كما يُغربل الزوان من القمح}
والزوان:حبوب صغيرة تُخلط بالحنطة وتكون على شكلها ولكنّها ليست منها!
فانظروا الى دقة التمثيل وروعته!! فكما يُخرج الزوان عن القمح بالغربال فكذلك يُخرج "ضعفاء الدين والايمان"بقانون التمحيص والغربلة، وغربال أولئك ليس الاّ الظروف الصعبة على اختلاف حجمها ونوعها التي يمر بها الانسان خلال حياته العلمية والعملية، ومايحيط بتلك الحياة من مصالح ضيّقة وشهوات ومغريات وانتكاسات وانحرافات وماينتج عن حب الدنيا والجاه والمال وغير ذلك من متاعات زائلة.
وقد أكد ذلك قول المعصوم الإمام الصادق "عليه السلام":
{وسيخرج من الغربال خلق كثير}
حقا إنها عبارة مرعبة تثير الدهشة وتدعو للتأمل!!
نعم!! هذا زمان الغربال بكل تداعياته وتسارع أحداثه ومجريات حوادثه!!
فينبغي الانتباه واليقظة وتوخي الحذر والغفلة عما يصدر من الاقوال والأفعال والمواقف غير المسؤولة! سيما وأنه قد تكرر هذا الحديث على لسان أئمة الهدى"صلوات الله عليهم أجمعين"لكن بصيَغٍ مختلفة، إذ ليس جزافًا التأكيد والقسم،انّما يحكي وهو المعصوم عن حقيقة ثابتة نطق بها القرآن الكريم محذّرا تارة ومبشّرا تارة اخرى في موارد عدة منها قوله تعالى:
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}آل عمران ١٤
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}الروم ٤١
فكل ذلك يشير إلى انّ الأكثر من البشر يتبعون الباطل، وينحرفون مع الشهوات، ويميلون مع اهوائهم، ويندفعون اتجاه مصالحهم،للحدّ الذي يكونوا عونًا للظالمين، ويَدًا لهم وهم يشعرون ولايشعرون، ومن هنا نفهم أن مقابل هذا ستبقى ثلة قليلة
وهي نتاج الامتحان الطويل والتمييز والتمحيص، وهي الثلة الأندر كما عبّرت عنها الروايات على لسان العترة الطاهرة ولاتسقط هذه الثلة أما المغريات، ولايضرها من ناوأها حتى يُقاتلُ آخرها الدجال لأنهم يمثّلون الحق الحقيق الذي لاباطل معه ولا شبهة!
{قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الانعام١٠٤
٢٩شعبان١٤٤٣
١-٤-٢٠٢٢م