د. عطور الموسوي ||
· أطلقوا سراحه لبضع ساعات كي يدفن ولده الصغير المغدور
عائلة الشهيد عباس حسون الحيدري من قضاء الدجيل أحد اقضية محافظة صلاح الدين..
كان ابنهم الاكبر "خضير عباس" منتميا لحزب الدعوة الاسلامية، وفي حملة الاعتقالات التي تلت استشهاد الشهيد محمد باقر الصدر تأهب ازلام البعث ضد كل معارض فقدموا لاعتقاله ولكنهم لم يعثروا عليه، فتم اعتقالهم جميعا عام ١٩٨٠ ..
نعم تم اعتقال جميع افراد العائلة ، تقول اخته:انا وامي واخواتي الخمسة تم نقلنا الى مركز شرطة الدجيل، لنمكث اكثر من عام عشناه بأسوأ ظروف تفتقر لكل مقومات الحياة، ولا نعرف مصير ابي واخويّ الصغيرين علاء وعماد.
وتروي لنا عن اخيها الشهيد علاء وتقول انه حين قدوم قوات الامن العديدة لتفتيش المنزل يرومون اعتقال اخي الكبير كان علاء جالسا على السلم وقد كان طفلا قد نجح من الصف الاول الى الثاني متوسط، ويتوسل بوالدتي ويقول :" يمه خل اني انهزم ، خل اروح يم خضير اخاف يسجنوني " اذ ان اخيه خضير قد تمكن من الفرار الى خارج العراق ..وكانت ترد عليه أمي ناهرة إياه: اسكت انت طفل وليس عليك شيء .. اسكت لا تقل هذا الكلام الا يكفي نحن فقدنا خضير !
حيث كانت تتصور ان هناك رحمة لدى البعثية ولن يفعلوها.
خاب ظنها عندما اقتادوهم جميعا دون السماح لهم حتى بارتداء (نعالهم)!!
ومرت الايام والشهور ثقيلة ومضى عاما ونيف وهم محتجزون رهائن والتهمة ولدهم منتم لحزب الدعوة !
والدين وولدين وخمسة بنات بأعمار مختلفة كلهم ابرياء وهم يعلمون جيدا بذلك، ولكن لا وجود لمضمون الآية الكريمة : (ولا تزر وازرة وزر اخرى.. )،وانى لها من وجود في قاموس طغمة ظالمة استباحت الحرمات وأراقت الدماء على الشك والشبهة.
وتكمل حديثها: ذات صباح افاقت والدتي وهم بعد في المعتقل باكية لاطمة وتنشج نحيبا مرا وهي تردد: مات علاء.. مات علاء.. حاولنا تهدأتها وان ذلك مجرد حلم لانك تفكرين بأولادك.. ولكن لا جدوى
كانت تبكي وتنتحب على ولدها ولم نفهم ما الأمر وعند سؤالها كانت تقول وكأنها منيقنة : علاء قد مات..حلمت به انه محمول على نعش وقد تم تشييعه في أزقة الدجيل والمشيعين كلهم اطفال صغار يلبسون الدشاديش البيضاء ، ولم تتوقف عيناها من الدموع الغزيزة وهي تتلوى وجعا على فراقه وكأنها متيقنة من وفاته..
وفعلا بعد ساعة أو أكثر وفي فترة الظهيرة قدم الينا ضابط الأمن وصرخ قائلا: " وينه عباس حسون ؟ گوم بالعجل راح توقع تعهد وتطلع من المركز تروح تدفن ابنك علاء لانه مات "
هكذا بكل برود دون ان ينبض له قلب بالرحمة لهذا الاب الجريح!
وفعلا تم اخذ التعهد وخرج ابي من السجن واخبروه مسموح له ان ياخذ معه شخص واحد وهو سائق التكسي الذي سينقله الى النجف الاشرف حيث ترقد ملايين النفوس المعذبة ..
فذهب والدي لاستلامه ووجده مع عدد من الموتى في احواض من الماء فاخرجه من هناك، حتى انه كان جسد اخي في تاثر بفعل الماء ولم يتعرف عليه في الوهلة الأولى، استلم جثمان ولده المغدور ومضى وحيدا حزينا لم يشعر انه حر من السجن بل تمنى لو بقي كل عمره سجينا ولا يرى فتاه الصغير في هكذا حال قد غيبت ملامح وجهه البرئ عصابات البعث دون أي شفقة.. ودفنه ورجع في فترة الغروب ووقع التعهد مره أخرى ودخل المركز يكفكف دموعه ..هكذا بلا اي نقص او زيادة في الاحداث.
ولا يمكن لأي قلم أن يدون مشاعر أم حرمت حق تربية أبنائها وساقتها الاقدار ان تبكي بصمت موت ولدها الصغير في مخزن لمركز شرطة بلدتها دون أي ذنب أو جرم ، ودون مواساة من أهل وجيران وأقارب، تخنق عبراتها وهي تتمنى ان تصرخ بأعلى ما تتمكن لتسمع العالم كله بما جرى عليها ويجري على آخرين في معتقلات وسجون وأقبية أمن الطاغية صدام الذي ما استثنى فئة عمرية من بطشه حتى الأجنّة!!
وأب عاد الى المعتقل مذهولا مفزوعا من هول مارأى عليه ولده البرعم الغض، لا عزاء يمكن أن يتعزى به هؤلاء سوى أنهم يتأسون بشبيبة شهداء طف كربلاء ..
ولا يوم كيومك يا أبا عبد الله ..
ولم يكف البعثيون أذاهم عنهم بعد أن اخرجوهم من هذا المعتقل بأقل من عام.. وبالتحديد في تموز عام 1982 اعتقوهم ثانية في حملة القمع الكبيرة لعوائل بأكملها، وتم اعدام الأب والولد الثاني عماد ولم يعثروا لهما على جثمان ..
بينما سجنت الأم وكل بناتها لمدة أربعة سنوات في صحراء ليا محافظة السماوة وهدم دارهم وجرفت بساتينهم في جريمة الابادة الجماعية لاهالي بلد والدجيل ..
هكذا هي عقود البعث المظلمة ما استثنى صدام المقبور فئة عمرية من بطشه وتنكيله حقدا على كل شريف لم يسر في ركب حكمه المستبد ..
26 شعبان 1443
29/3/2022
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha