كوثر هادي ||
إن طبيعة الإنسان في هذه الدنيا وهذا العالم المادي لا يستغني في أي أمر من أموره التي يرغب في تحقيقها، عن بذل الجهد ومعاناة التعب والمجاهدة لكي يحصل على مايريد، ولعل من بين الآمال التي يتمناها عادة أناس وطّنوا أنفسهم على درجة من التقوى والإخلاص ونكران الذات، هي أمنية"الشهادة" التي تُعدّ أرقى الأماني في مدارج الكمال،كما انها أرفع المقامات ضمن سلّم الرفعة التي يرفع الله بها وإليها صفوةً مختارة من عباده، تلك المنحة الإلهية التي تُضيء بمعاني الإتخاذ في موارد المقدّس من كلام الله "عزوجل"(وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَداء) لهوَ اختيار من أعالي الملكوت لبعض البشر ليكونوا شهداء في محضر القداسة، بمعنى آخر، وقوع هذا البعض في محل الرّضا والقبول عند المالك-عز وجل-وأيّة درجةٍ أسمى وأرفع وأعلى من درجة الوصول إلى مقام القرب وقداسة الحِظوة!! ومما لاشك فيه، أن الوصل والوصول هو ثمرة ونتيجة لمقدماتٍ كثيرة في عُمرٍ يقضيه الشهيد مجاهدًا نفسه في معترك الحياة، مابين إقدام وإحجام، وإقبال وإدبار مابين النفس والشيطان، ومابين الأنا والهوى، بغية الوصول إلى مايؤهّلهم للقرب من نيل ذلك الشرف الرفيع -الشهادة- حتى إذا ماحميَ الوطيس، واشتبكت الأسنّة، ترى لهم حضورًا جليًّا في ساحات التضحية والفداء، في سوح المواجهة للدفاع عن الحُرُمات والمقدسات، قبال أشرس أعداء الحق والانسانية، بصرف النظر عن حدود الجغرافيا ومسمى القومية، إنه سبيل الله شطرَ حَرم الخلود عِبر صفقة بين العبد وربّه في عَرضٍ ملكوتيّ لايفقههُ إلا من شرح الله صدره للإسلام، ولاينالُه إلا ذو حظ عظيم، ولاشك أَنه مَقامًا من أَعلى مقامات الِأصْطفاء والِاجتباء بل وثمرة الطاعة والإخلاص، وتلبية دعوة السماء لنداء رب العزة وهو القائل:
{يَاأيّها الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف ١٠-١١
فتسابقت أرواح وانبرت نفوس تاجرت مع المالك المطلق، وربحت الصفقة عندما قاتلوا وقُتِلوا لأجل إعلاء كلمةِ الحق، كلمة التوحيد عبر الدفاع عن الأرض والعرض والشعوب المستضعفة.
ولعلّ أروع ما تؤكده الشواهد، ماتجلّى للناظر إليهم قبل دفنهم، وكيف تفوح منهم رائحة المسك، وآخرون يبتسمون وشعاع النور على جباههم جليّا!! فهم لم يرحلوا إنما خطّوا بدمائهم منهج المقاومة والإيثار ليخلدوا في الدنيا ويُسعَدوا في الأخرى.
{فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَاهُمُ ٱللهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}آل عمران١٧٠
٢١شعبان ١٤٤٣هج
٢٥-٣-٢٠٢٢م