عبد الخالق الفلاح ||
لاشك أن الاستقرار السياسي هو العمود الفقري لبناء الإدارة الوطنية القادرة على بناء الدولة من خلال تماسك الجبهة الوطنية ونجاح التخطيط الإستراتيجي الشامل، فمعظم المخططات الإستراتيجية التي قدر لها النجاح لم تكن لتنجح لولا وجود إستراتيجيات سياسية تضبط الأداء والإيقاع السياسي وتحمي الدولة من خطر التدخل الأجنبي في السيادة الوطنية.
إن الوضع المعقد الذي يسود المنطقة والتجاذبات الإقليمية والدولية تجعل من العراق حالياً يعيش في مهب غير مستقر سياسياً ولعل القادم أعظم ، مما يدفعنا للحديث عن الحكومة القادمة بعد الانتخابات و التي سوف تتقاذفها التدخلات الخارجية والإرادات الداخلية المفروضة بسياسة الأمر الواقع وقوة السلاح التي تفرضه جهات سيطرت على الملف الأمني والسياسي والاقتصادي ما يؤدي إلى فقدان الدولة لقرارها السيادي بسبب الأخطاء والتراكمات والسياسات الطائفية التي انتهجتها الحكومات السابقة و حولت البلد إلى فوضى عارمة تترتب عليها عدم الاستقرار بجميع المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مع غياب فعلي لمبدأ الفصل بين السلطات وتفشي الفساد المالي والإداري وتسييس القضاء وفشل في توفير الخدمات وكثرة البطالة وتفشي ظاهرة انتشار السلاح خارج إطار الدولة والجهل والمرض والأمية وإشكالات كبيرة مع اقليم كوردستان العراق والدخول ضمن صراع المحاور في المنطقة وطموح سياسي لبناء دولة موازية لمؤسسات الدولة .
أصبح الاستقرار من الضروريات المهمة في حل القضايا المجتمعية الهامة، لما لها من تأثير على تطوير اي نظام سياسي عصري يتسق مع الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع، ويشكل ً لعملية التعبئة الاجتماعية، من خلال بناء المؤسسات السياسية التي تتكامل مع ً مناسبا أساسا ً، وتمثل الغالبية العظمى من مجموع المواطنين في المجتمع وتعكس مصالحهم الوظيفية ، وفي خلق المناخ الملائم مشاركتهم الايجابية الفاعلة في الحياة السياسية، لترسيخ حقائق وإمكانات التكامل الاجتماعي والسياسي، واتاحة الفرصة لتوفير مناخات سياسية مواتية لتحقيق الاستقرار داخل المجتمع. لا يختلــف مفهــوم الاســتقرار السياســي عــن غيــره مــن مفــاهيم علــم الاســتقرار السياســي اصــطلاحا ً، حيـث يتنـاول عـدد مـن البـاحثين تحليـل السياسـة، مـن حيـث طـرق دراسته وتناقضها وتعددها أحيانـا مفهـوم الاستقرار السياسـي مـن خـلال الـ ربط بينـه وبـين المجـال البحثي المـراد التعـرف علـى الظاهرة في إطاره. فعلى سبيل المثـال عنـد دراسـة مفهـوم الاسـتقرار السياسـي مـن منظـور اقتصـادي، ينصـب الحديث فـي بعـض الظـواهر المجتمعيـة كالصـراع الطبقـي ومسـتويات الفقر والبطالة وتوزيع الثروة وتوفير فرص مستويات الرفاه الاجتماعي للأفراد.ويرى ابن خلدون أن عدم الاستقرار السياسي هو نتيجة لعدم التجانس الثقافي في الأوطان التي تكثر فيها القبائل والعصبيات، فهي لا تتمتع بالاستقرار السياسي نتيجة الاختلاف في الآراء وهناك من يرى بأن هذا الرأي لا يكون صائبا حيث استطاعت بعض المجتمعات أن تحقق الاستقرار السياسي على الرغم من وجود تلك الاختلافات في الجنس والعرق والأعراف والأديان. ويرى (جونسون و ستيفنسون) حالة عدم الاستقرار السياسي بأنها (حالة تصيب النظام بانهيار الإطار المؤسسي وحلول العنف مكان الخضوع للسلطة بهدف تغيير أشخاص أو سياسيات أو الوصول إلى السلطة من خلال أعمال تتخطى الطرق الشرعية للتغيير السياسي، وهناك من له وجهة نظر اخرى في عدم الاستقرار السياسي بأنه استخدام العنف لأغراض سياسية ولجوء القوى والجماعات السياسية إلى أساليب غير دستورية في حل الصراعات، وعدم قدرة المؤسسات في النظام السياسي الاستجابة للمطالب المقدمة أليه والنابعة من البيئة السياسية الداخلية والخارجية.
ان المجتمعات المتقدمة تنخفض فيها حالة عدم الاستقرار، لأنها تتجاوزت عوامل التخلف في جميع المجالات، سياسية واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، وثقافية، والدول المتخلفة هي التي لازالت تعاني من تلك العوامل مجتمعة، و قد يكون هناك عوامل لها الدور الرئيسي في حالة عدم الاستقرار، و أن مفهوم النسبية في تعريف عدم الاستقرار السياسي يأتي من اختلاف حدة الحالة من مجتمع إلى أخر، وبنسبة تأثير العوامل المختلفة سواء كانت عوامل مصدرها المجتمع الداخلي أو عوامل الخارجية، وهنا قد تثار قضية جدلية حول التخلف وعدم الاستقرار السياسي، وقد يكون الاستقرار النسبي وغياب حالة الصراع نتيجة القسر والارغام والقبضة الحديدية التي تفرضها الأنظمة و تتعامل بها مع شعوبها ويمكن ، وما أن تسقط حتى تظهر جميع التناقضات والعوامل في عدم الاستقرار السياسي والتي كانت تسود نتيجة الخوف والقمع، وليس ان يكون النظام استطاع ترويضها عن طريق التدابير السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة على الرضا والقبول من المجتمع.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha