د.أمل الأسدي ||
يبحثُ الإنسانُ عن إنسانٍ آخر يتلاءم معه ويكمله،ويعينه علی تحقيق رؤيته وأداء دوره في الحياة،سواء كان هذا الإنسان صديقا أم قريبا أم أخا شقيقا أم أبا أم كان جماعةً تحتضنه وتسنده،لذا اطلعنا علی نماذج كثيرة تعمل علی التغيير والتأثير،تارة تتمثل هذه النماذج في شخصين،وتارة تتمثل في جماعة،فقد وجدنا إبراهيم مع لوط،وموسی مع هارون،وزكريا مع مريم وعيسی ويحيی (عليهم السلام) ووجدنا عبد المطلب وأبا طالب،ورسول الله الأعظم وعلي بن أبي طالب وخديجة(صلوات الله عليهم) ثم الحسن والحسين(عليهما السلام)ثم الحسين وأهل بيته وصحبه،وهكذا يكون الاجتماع قرارا واختيارا من الشخص نفسه،قرارا يصاحبه توفيق من الله ولطف ومحبة واصطفاء،أما الارتقاء فقد يجتمع فيه الاختيار من الإنسان ذاته وتحديده لمصيره بنفسه،والاختيار من الله تعالی، فأنصار الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه -مثلا- اختاروا طريق الارتقاء والسمو والانتقال من عالم المكابدة الدنيوي الی عالم الرضا الأخروي،واختار الله لهم هذا الطريق(طريق الشهادة) وارتضاه لهم، وهكذا تتعدد المصاديق في كل زمان ومكان،لأن صفات الإنسان البشرية الفطرية واحدة،وعقله البشري واحد.
أما الآن فنحن بصدد ذكری استشهاد قائدين، تمثّل فيهما(الاجتماع والارتقاء) وهما(القائد المهندس،والقائد سليماني)فقد اجتمعا في الدنيا في الصفات والعمل والتأثير،فاختار كلٌّ منهما الآخر ليكون رفيقَ درب ومعينا في تحقيق الأهداف التي يؤمنان بها،والتي تصب في خدمة الإنسان والإسلام،وبما يخص دورهما في العراق فقد اجتمعت فيهما صفات عديدة منها:
⭕️ الأبوة: فقد عاملا الجميع علی أنهم أبناء وتجب حمايتهم من دون التمييز بين طائفة وأخری،أو منطقة وأخری،أو فئة وأخری،فنظرتهما كانت أبوية لاتفرق بين الأبناء ولاتفضل أحدهم علی الآخر.
⭕️ الإيثار: من أكثر الصفات الجلية الواضحة في منهجهما هي الإيثار ونكران الذات،فقد عرّضا نفسيهما الی البرد والحر وخطر الموت والغربة والابتعاد عن الأهل في سبيل حماية العراق وأرضه وشعبه.
⭕️الشجاعة: سمةالقيادة ولازمة تحققها،فقد كانا في الخطوط الأولی في مواجهة العدو الدا عـ.شي، فلم يكتفيا بالتخطيط والتوجيه،بل كانا في محور المواجهة ومركزه مع تسليم مطلق وتوكل علی الله تعالی.
⭕️الأخلاق: يشهد الجميع بالخلق الرفيع والتواضع والاحترام والمحبة في منهج القائدين وتعاملهما مع الآخرين،مع الجنود ومع الناس في المناطق المحررة،بشيبهم وشبابهم وأطفالهم،فكانوا يجالسون الناس ويشاركونهم في معاناتهم ويحمّلون نفوسهم مسؤولية الحفاظ علی حياتهم بدافع الأبوة والمحبة.
⭕️ الزهد: كانا زاهدين عابدين،يفترشان الأرض ويلتحفان سماءها،لم يبحثا عن جاه أو منصب دنيوي،فالدنيا لديهم سُلّم يوصلهما الی رضا الله تعالی،لذا امتلكا حب الناس وهيمنا علی قلوبهم.
أما الارتقاء فقد ترتب علی مااتصفت به مرحلة الاجتماع،فالعمل المشترك في خدمة الإنسانية،وبذل النفس والجهد في المحافظة علی أرض العراق ووحدته وشعبه من دنس الفكر الظلامي الداعشـ.ي،ترتب عليه قرار الاستهداف من ماكنة الشيطان الأكبر ولوازمها.
إن ارتقاء القادة(المهندس وسليماني)كان اختيارا من الله تعالی واصطفاء منه وفضلا ومحبة،فلم يشطر الاجتماعَ بينهما ولم يفرقهما بالموت،بل جعل ارتقاءهم عروجا واحدا،
وهذا نابع من رغبتهما التي صرحا بها في مواقف كثيرة،فقد كان كلٌّ منهما يری الأمان وتحقيق الأهداف بقرب الآخر، فعروجهما كان باصطفاء ومحبة وتوفيق،كان ارتقاءً محفوفا برضا الله تعالی،في ليلة الجمعة التي يحبها الله ورسوله وأهل بيته،وهذا ما جعل من تشييعهم حدثا جماهيريا مليونيا كسر أُفق توقع العدو،وبدد كل مساعيهم وحربهم الناعمة الافتراضية والواقعية،وأثبت لهم وبالدليل القاطع أنه لايمكنهم الاطمئنان إلی ما يتوصلون إليه في بلد كالعراق!!
فاللحظة التي يتصورون فيها أنهم أحكموا قبضتهم عليه،هي عينها لحظة خسارتهم وسقوطهم وخيبتهم،وكأن الله جعل هذه الأرض ميدانا لإثبات سننه وانتصارها،وسيجعلها ميدانا لنصرة أوليائه واسترداد حقوقهم وإقامة عدله فـ(إنَّهُم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ونَرَاهُ قَرِيبًا).
https://telegram.me/buratha