عبد الرحمن المالكي ||
صاعقة ومفاجأةٍ وفارقةٍ في تأريخ العراق المعاصر حينما سيطرت عصابات داعش الارهابية على الموصل .
استيقظ العالم على تلك الرايات السود التي ترفرف وتجوب في ثاني اكبر مدن العراق , نتيجة الخيانة , والتآمر الخارجي على هذا البلد وشعبه , وبعد انسحاب القوات الامنية وسيطرت الغربان السود حدثت الكارثة .
داعش التي كانت تطمح لأنشاء دولة بالكره والاجبار نزح وخرج منها ما يقارب 750 الف مواطن رفض العيش في ظل العصابات التي جاءت بالذبح والقتل و هدم المدن الامنة والتعاملِ وفق اسُس طائفية على حساب حياتهم المدنية التي كانت قائمةً على اسس المواطنة الصالحة .
بعد خروج النازحين من مدنهم تاركين اعمالهم ودراستهم واقارابهم وذويهم ومنازلهم و احلامهم , حاملين همومهم الى اين وكيف سيعيشون وهل ستبقى هذه العصابات ام لا ؟
مشاهد النازحين في المخيمات ليست من العصور الوسطى او في صحاري افريقيا انما هي في العراق الذي صنف ذات يوم كأفضل بلد في الشرق الاوسط ... مأساة عاشها العراقيون ..
مئات الاف دفعتهم الاحداث المتسارعة الى ترك بيوتهم بحثاً عن ملاذ امن تُحفظ فيه الكُرامات وتُصان فيه الارواح ...
منهم من حطت به الرحال الى المحافظات المستقرة وقليل منهم من غادر البلد.
بَيد ان التصنيف الاكثر اهمية بالنسبة للنازحين يَخضع للمكان الذي يأويهم فَسعيد الحظ منهم من وجد منزلاً والاقل حظاً من كانت الهياكل والمدارس منزلهُ الجديد , ولكن الذي لم يكن له حظ او نصيب هو من وجد المخيمات وطنناً جديداً بالنسبة له .
انقسم النازحون الى قسمين منهم من ذهب واستقر في مخيمات اقليم كوردستان , التي لو تَجولت بها تَحار من اين تبدأُ قِصة الاحزان ... حيث سكنوا في منطقة منعزلة عن الحياة المدنية.
المخيمات والتي عرف عنها بفوضى التنظيم وعدم الاهتمام في توفير الخدمات من غذاء ودواء و عدم وجود التعليم او الرعاية بالطفل و الاسرة .
اما العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة فأولئك لهم قصة اخرى ربما اكثر الماً
ورغم ذلك كانت المخيمات عرضة للبرد القارص والامطار في فصل الشتاء
قد يطول بنا المقام ان اردنا ان نسرد تلك المعاناة .. كل ذلك لا يعني شيئا امام الكرامة .
ورغم ذلك كانت المخيمات الموجودة في كوردستان تفتقر الى عنصريين اساسيين من مقومات الحياة , هما الى الرعاية الصحية و التربوية ..
منظمات المجتمع المدني العالمية التي تدعي خدمة الانسان و توفير العيش الكريم له على اسس الانسانية , لم يكن لها دور بالغ او بالمستوى المطلوب في خدمة النازحين ومساعدتهم والوقوف الى جنبهم رغم ان تلك المؤسسات العالمية الضخمة تمتلك الصوت المسموع و القدرة الكافية على تقديم المساعدات الا ان التهميش كان سبيلهم .
رغم حجم المأساة التي عاناها النازحون , ثمة هنالك نُقاطٍ مضيئةً في ذلك الظلام الدامس , فالقسم الاخر من النازحين الذين توجهوا الى المحافظات الجنوبية , لم يعيشوا بمثالية تامة ,الا انهم لم يعانوا مثل ما عانى النازحين الذين قضوا فترة نزوحهم في المخيمات , حيث رافقتهم قوات الحشد الشعبي ومنذ البداية في تأمينهم و سلامتهم و وايوأهم وتقديم المعونات الغذائية لهم فضلاً عن ايصالهم الى المدن الامنة ومع ذلك استمر الحشد الشعبي وبكل بسالة في اكمال مشروعه الوطني في تحرير الارض و سلامة المواطنين .
حرص الشهيد المهندس ومن تلك اللحظة الاولى على امنهم حيث وجه بنقلهم من الاماكن الخطرة الى الاكثر اماناً من اجل الحفاظ على سلامة هؤلاء المستضعفين .
ان المشكلة الاكبر قد تمثلت في ايجاد مساكن للنازحين حيث انهُ لم يعد هنالك مكان لإيواهم بعد ان امتلئت البيوت و الاماكن الفارغة والهياكل وبعض المدارس بالنازحين ...
وفي عام 2011 م اذ صنفت منظمة ميرسل الاستشارية المتخصصة في تنمية الموارد البشرية العراق كإسوء ثلاث بلدان يمكن ان يعيش بها الانسان ضمن 222 دولة في العالم , هذا التصنيف كان قبل بداية الازمة فكيف سيكون مع تفاقم الازمة في عام 2014 م والاعوام التي تلتها .
هؤلاء النازحين كانوا يَطمحون للعيش في مكان يناسبهم و يرتب احولهم ويجعلهم اكثر استقراراً , لذا سعى الشهيد المهندس لتقديم افضل ما يكون من مسكن يؤويهم من الحر , ويقيهم من البرد .
ان هذه الاف القادمة كان لابد لها من رعاية صحية مناسبة لما فيهم من اطفال ونساء وكبار السن وذوي احتياجاتٍ الخاصة , وهذا الجانب الانساني لم يغب لحظةً امام انظار الشهيد المهندس لذا كان لا بد من فتح مراكز صحية ومستوصفات لعالجهم و متابعة احوالهم الصحية .
لقد كان للنازحين فرصة كبيرة في التعليم والرجوع اليه والاستمرار فيه , وكل ذلك يرجع من وفر تلك العناصر رغم تلك الظروف التي المت البلد , ومن خلال ذلك سعى الشهيد المهندس الى رجوع المدارس وحث الاطفال النازحين بالرجوع اليها والاستمرار فيها وان لا تكون الحرب عائقاً تقف امام طموحاتهم العلمية .
عندما جلس الاب معهم شاركهم حتى في طعامه لذا كان يوصي ان يصل الاكل والسلات الغذائية الى النازحين بأسرع وقت , حيث كان يتفقدهم كما يتفقد ابنائه واخونه .
ومن خلال الذين رافقوا الشهيد المهندس في العمليات نقلوا لنا كيف كان يحرص على اموال الناس و ممتلكاتهم وضرورة المحافظة عليها .
الشهيد المهندس و خلال جلوسه معهم وتعهده برجوعهم الى مدنهم والعودة الى حياتهم السَابقة , حيث اثبت للعالم ان دور الحشد الشعبي لم يكن في تحرير الارض والقضاء على تلك العصابات المشؤومة المعتدية , بل وارجاع الامر الى ما هو في السابق , حيث عبرت حملة لأجلكم التي اطلقتها المرجعية الدينية في النجف الاشرف لإغاثة النازحين وتقديم المعونة لهم وارجاعهم الى مدنهم آمنين من كل سوء .
ذلك الاب المعطاء كان قريباً منهم , يشعر بما شعروا به من معاناة والم ومن مصائب المَت بهم و من زمان ذاقوا مرارته لذلك كان هو الاخ والصديق والاب المواسي لهم , الذي يشعر بمعاناتهم و يسعى الى حل مشاكلهم و همومهم .
رحل الشهيد المهندس مطمئنا الى ربه وهو قد اوفى بوعده حينما استمر في جهاده و تحرير اخر شبر من ارض العراق, وانهاء عصابات داعش التي لم يبق لها اثر واقعي في شوارع المدن الامنة , ومع ذلك يصاحبه رجوع من تركوا منازلهم , هؤلاء الذين رفضوا العيش مع تلك العصابات المتطرفة البعيدة كل البعد عن الاسلام و تعاليمه , فألتاريخ سيخلد ذلك الرجل المعطاء صاحب المواقف النبيلة الذي قدم كل شيء من اجل الوطن وخدمة المستضعفين .