سميرة الموسوي ||
v ما حدث من إسفاف في مهرجان بابل: معركة مدروسة من الحرب الناعمة الفتاكة ،والقادم أخطر .
النظرة الثاقبة للكثير مما يحدث في العراق ولا سيما في المجالات الاجتماعية عموما ،والثقافية ،والفنية ، والفكرية ، يؤكد بلا شك أنه ليس مقتضى من مقتضيات الفوضى ،وضعف الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي...الخ ،بمعنى أن المجريات ليست في السياق الجزافي، وأنها ليست ( حشر مع الناس عيد ) ولا هي تسلية بريئة للناس في خضم معاناة بالغة رغم التكاليف المالية الباهضة لحضور المهرجان .
الحقيقة أن ما ذكرناه قد يكون بيئة مجانية مطلوبة لأنفاذ أهداف الحرب الناعمة ، وسوف لا نحفل بأولئك المجندين لتشكيل أنفسهم ( جرافات ) لتعبيد الطرق ل ( عجلات ) الحرب الناعمة فيتهموننا بأننا ضحيةمفهوم ( نظرية المؤامرة ) ويقصدون بهذا الاتهام أننا نتنصل من أخطائنا ونرميها على تبرير الحرب الناعمة ، وسندحرهم بيقيننا أن الاحداث لا تعدو عن كونها مؤامرة قائمة بمفهوم الحرب الناعمة بعد فشل العدو من توطين نفسه كمحتل دائم الوجود ، والحاصل اليوم في العراق ودول المنطقة هو ( سباق التسلح الناعم ) مع الاستمرار بشن الحرب الناعمة علينا وعلى كل دولة لا ترهن نفسها لأغلال الغرب المستعمر وأمريكا ،ولا تقبل بالهيمنة والاستعمار والتسلط .
( إن الممسكين بالقرار العالمي والقابضين على موارد القارات الخمس يتفننون بإبتداع المخططات والافكار التي تديم هيمنتهم على العالم عموما وعلى العالم الثالث خصوصا ،ومن أفتك هذه الخطط تهشيم الهوية الوطنية وتفكيك البنية الثقافية والتشكيك في مقدرة المجتمعات على النهوض وتركيعها في خانة المغلوب دوما ليكون هذا المغلوب في خدمة الغالب وفي كل الاتجاهات )
ينبغي القول أن الاحتفالات التي جرت على هذا المسرح وغيره كانت سابقا تجري عليها فقرات رقص وغناء قد تتجاوز حدود ليست في سياق مجريات الحرب الناعمة البالغة الشدة ،ولكن هذه المرة إقتحمت بلا حياء كل المحضورات لتمس القيم والعقائد ، كما إن ما بدر من الحاضرين ليس مألوفا في سياقات التفاعل مع أجواء الاحتفال ، إذ إن رمي الساعات الثمينة والسوارات الذهبية على المسرح إنما هو فعل يدعو للانتباه ، والتأمل ( رمي ساعة ماركة أوديمار سعرها ٢٥ الف دولار أي بحدود ٣٧ مليون دينار مع ساعات أخرى ثمينة وسورات ذهب .. الخ .) كما يؤكد أن الاحداث ( مفتولة ) بقوة ولا تحفل بأي معارضة عملية ، أما المقاطعة فليست في الحسبان ، ومما يدعو للتأمل أن الراقص على المسرح ليس سوى رجل متدرب على ( هز) جسده بإحترافية مع إنه ممثل أفلام ومسلسلات ناجحة ولكن حركاته المبتذلة لاقت معارضة من نقابة الفنانين المصريين وطردته من وسطها الفني المحترم .كما يمكن القول بان رقص رجل عاري الصدر والبطن ليس من معهود المشاهدة العراقية في الحفلات إلا إذا كان لأجل إثارة الضحك لدقائق فحسب .
ألا يدعونا هذا التنظيم والادارة للاحتفال مع غرابة إختياراته الى أن ما ينبغي لنا التفكير فيه بحذر هو إطار الحرب الناعمة ومضامينها كافة ولا سيما أن هذه العروض رافقت إنسحاب القوات القتالية الامريكية من الاراضي العراقية .
ربما قائل يقول ؛ وما الذي ستخربه عروض هذا الاحتفال بعد الخراب الذي عم العراق ، ونقول للسائل خذ هذا الكلام للباحث يحيى ابو زكريا ( وقوام الحرب الناعمة إستبدال الدبابة بالاعلام ،والجيوش بالعملاء وإستبدال الابدان بإحتلال النفوس والارواح والعقول وتكريس هزيمة الفرد والمجموع في أي قارة أو خارطة من دون حاجة لإستخدام القوة العسكرية ،ومنها يسهل إستعباد الامة ، وتتطلب الحرب الناعمة تأسيس غرفة تفكير إستراتيجية ذكية يسودها الفعل الجمعي في غرف إعلامية الكترونية وإستخبارية وعبر إستخدام قنوات الاعلام العربي المتأمرك أو الاعلام الغربي المعرب وكذلك وسائل الاتصال ،والهدف العقل العربي والمسلم لتهشيمه )
هناك ما يدعو للحذر من جميع النشاطات التي تنفذ داخل العراق ، ثقافية ،فنية ، فكرية ، إقتصادية ، إجتماعية ، فضلا عن الاخبار المستمرة عن فوضوية نظامنا التعليمي ،ومدارسنا المتهالكة مع قلتها ، ووجود شبهات فساد في جميع العقود الاقتصادية المبرمة وهذه الاخبار والتاكيد المتوالي عليها في مختلف وسائل الاعلام وإن كانت صحيحة لكن طريقة عرضها له غاية أخطر منها هي تمزيق الثقة بين الناس بصورة عامة ، وإن كانت تعرض في الاطار السياسي فقط .
مما ينتجه هذا الاتجاه في تكرار المشاكل بطريقة مدروسة هو ( الاذلال،والتيئيس ) فالاذلال يفرغ المواطن من مشاعر وجوده الانساني ، والتيئيس يجعل وجوده غير ضروري ولا نافع لاي شيء ، وفي النهاية يصبح العقل خاويا ومستعدا لقبول أهداف الحرب الناعمة ، ولذلك رأينا الكثير من الشباب يجازفون بالهرب من وطنهم عبر ركوب أخطر وسائل المواصلات التي أدت بالكثيرين الى الهلاك مع عوائلهم .
لا ننسى كيف سقط الاتحاد السوفيتي ،كما لا ننسى الاساليب التي سبقت سقوط جدار برلين حيث كانت شاشات التلفزيونات تعرض للجانب الشرقي من برلين ( الشفلات ) وهي ترمي أطنان التفاح في البحر ، كما تعرض أفلاما مدروسة للشباب الغربي وهم ينعمون بحياة مرفهة الامر الذي جعل شباب ( الشرقية ) يهدم الجدار بالمطارق ويتسلل الى الجانب الغربي حتى سقطت الدولة الشرقية بالحرب الناعمة .
لننظر مجددا وبعين فاحصة أكثر الى حفلات المهرجان من خلال ما ذكره الباحث علي محمد صاحب كتاب الحرب الناعمة / الاسس النظرية والتطبيقية . وهو غير كتاب منظّر الحرب الناعمة الامريكي جوزيف ناي الذي أصدر كتابه عام ٢٠٠٤ بعنوان الحرب الناعمة .يقول السيد علي محمد / القوة الناعمة هي القدرة على الجذب والاستمالة والاغواء بلا إرغام ( إذكروا الساعات الثمينة التي رماها بعض الحاضرين المجندين لمهام الحرب الناعمة)، ولا قهر أو تهديد أو ضغط عسكري وأقتصادي وغير ذلك من الرشاوى ، فالذي يحدث في هذه الحرب بالجذب،والكسب ،وجعل الاخرين يطبقون ما تريد برضا واقتناع .
بنظرة أخرى لما حصل على مسرح ( محمد رمضان ) لنستمع الى ما قاله ( مايكل إيزنشتاين الباحث المتخصص في الدراسات الامنية والعسكرية في معهد واشنطن بأن الحرب الناعمة الامريكية الموجهة كقوة مؤثرة لا يمكنها تشكيل الحالة النفسية لشعب معاد لأمريكا إلا أن تكون نسبة الاقوال والتصريحات الاعلامية بنسبة ٢٠بالمئة من حملة التواصل الستراتيجية الناعمة الموجهة ونسبة ٨٠ بالمئة الباقية تتشكل في برامج وأفعال وتحركات حقيقية ملموسة في الواقع وعلى الارض ) ، وفي إطار هذه الافكار التأسيسية لمجريات الحرب الناعمة تجري الكثير من الاحداث بنسبة ٨٠ بالمئة برامج وأفعال وتحركات حقيقية ملموسة في الواقع ، وكما نرى ال ( ٨٠ بالمئة ) في العراق ومنها إنتشار المخدرات وكثرة القاء القبض على عصابات الاتجار بالبشر والاتجار بالاعضاء البشرية مع التخويف من العطش والجفاف وهجرة الفلاحين الى المدن والتلاعب بالحصة التموينية….
فضلا عما يحدث يوميا من منازعات سياسية حول تشكيل الحكومة وبيع المناصب وتدخلات دول الجوار ومندوبي المنظمات الدولية مع تنافس الدول الكبرى على الاستحواذ على أجزاء من العراق أرضا وشعبا .
ماذا نستنتج مما حدث في او كرانيا عام ٢٠١٤ وهي الان في أزمة دولية كبرى قد تشتعل الحرب الخشنة فيها بلا هوادة ، ففي عام ٢٠١٤ سقط النظام في غضون بضعة أشهر ،وحدث السقوط هذا إعتبره المتخصصون نمطا من عمليات الحرب الناعمة ،حيث إن أمريكا والمانيا ودولا غربية أخرى زرعت في اوكرانيا ٣٩٩ منظمة دولية و٤٢١ منظمة خيرية و١٧٩ منظمة غير حكومية لدعم الثورة البرتقالية في اوكرانيا حليفة الغرب ،وإن المنظمات المذكورة تتقاضى ميزانيات تتراوح ما بين ٣٠٠ الف دولار الى ٥٠٠ الف دولار إسبوعيا ،وكل أهدافها تتوحد بإتجاه إضعاف العلاقة بين روسيا وأوكرانيا وعلى الاصعدة كافة ومن خلال العرض نعرف كيف تعمل الحرب الناعمة وبدون أن تنطلق رصاصة مسدس واحدة ، ولكنها أخطر من أثر تلك الطلقة لو إنطلقت ، فكم هي الاثار السلبية المدروسة التي أحدثتها إحتفالات بابل .( سميت بالثورة البرتقالية لان قادة الاحتجاجات نصبوا خيام لونها برتقالي ولبسوا أوشحة بنفس اللون )
إن تلك الاحداث في حقيقة تأثيرها وفي منطلقها أكبر من مجرد إعلان الاستنكارات المختلفة بالوسائل التي عبر بها الشرفاء من العراقيين ، فالحدث هو قضية الاعداء من الطراز الاول ، والاحتفال ليس سوى حلقة واسعة في سلسلة طويلة لن تنتهي حتى تؤدي أهدافها وعلى أيدي أبناء البلد المأجورين والمدربين .
أزاء ذلك ينبغي ان تكون لنا جهة متخصصة بمفاهيم وأهداف ووسائط الحرب الناعمة قبل التلويح بالردع ، فالحرب أخذت مسارات بالغة الدقة والتعقيد ومن أولوياتها مهاجمة القوانين والمنفذين ووضع الاغراءات في طريق حماة الوطن أولا ، وبأساليب مستدامة وممولة بلا حدود طالما كانت تؤدي الى نتائج ، أما إذا بقينا نعتمد على القوى الخشنة فحسب ، وغيرها من الاساليب التقليدية فلا أظننا سنحقق النتائج المرجوة ، وقد لا يدوم صمودنا طويلا ، أزاء الاحداث السياسية الجارية حاليا .
...وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
https://telegram.me/buratha