د.عطور الموسوي ||
سقطت الأصنام وتهاوت تباعا، وتناثرت صوره كرماد في يوم عاصف، وصار مشهد المواطن ابو تحسين وهو يضرب صورته بنعل ويعبر عن غضب العراقيين بلهجته العفوية "سبوتا" اعلانيا يتصدر مقدمات نشرات الأخبار سقوط الطاغية صدام حلما راود العراقيين لثلاثة عقود ونيف منها عقدان مريران مخضبان بدماء الابرياء في ساحات الحروب المتتالية وفي دهاليز التعذيب الوحشي وعند مشانق الاعدام، صدام مولع بالدماء هكذا عرفناه، وأوهم البعض بشجاعته وهو يردد: " يا محلى النصر بعون الله "، وعبارات استعرض بها حملته الايمانية المزيفة : " الله اكبر وليخسأ الخاسئون"
لقلقات لسان صار يسأمها حتى الصغار وأثبت كذب ادعاءاته تلك يوم ترك جيشه نهبا لأعتى جيوش العالم عندما فر مذعورا الى جحر حقير تأباه حتى البهائم، وقبل أن يطوي عام 2003 آخر أيامه تم القاء القبض عليه ليتفاجأ الجميع بهيئته القذرة شعر أشعث ووجه يفتقد لأي من معاني العزة المصطنعة التي استعلى بها على الجميع، اعتقلوه دون أي مقاومة تذكر مع انه في حوزته مسدسا!!
ذهل العراقيون وهم يرونه مكتوف اليدين على يد من خدمهم طويلا ونفذ مخططاتهم دون نقاش وان كانت سببا لموت مئات الالاف من شبابنا وكفاءاتنا دون ان يهتز له نبض من ضمير، بثت شاشات التلفاز لقطات مهينة ومقززة لسيادة ( القائد الضرورة) وهم يتفحصون شعره الذي عشعش فيه القمل، وملابسه القذرة التي تفوح منها عفونة جحره الأظلم تبادر لذهني قول الله سبحانه عن فرعون : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ {يونس:92}
كان جهاز الاستقبال (الستلايت) قد حل ضيفا جديدا في بيوت العراقيين وفيه ميزة ايقاف الفيديو، اوقفناه اكثر من مرة ونحن نتمعن هيئته الحقيقية وفي ذلك عبرٌ كثيرة لمن يريد الاعتبار، تلاشت من الذاكرة صورة قامته الممشوقة وزيه العسكري وحاجباه المرتبان وضحكته المصطنعة ونظرته الحاقدة على كل ذي قيم من خلق الله، نعم تلاشى صوته وهو يدير اجتماعاته مع وزراء لا يملكون من وزاراتهم الا الاسم، وغالبا ما كان ينقل التقرير تصويرا فيديوا دون صوت، وهذا أسلم للكادر الاعلامي كي لا يقع في مطب ترهات الريس التي لم تغييرها عقود توليه السلطة فالإناء ما انفك ينضح ما فيه
يوم 13/12/2003 كان يوما مفرحا للشعب العراقي وقاطعا للشك ممن يتوقع منهم عودته للسلطة وتكرار مأساة ما بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 حينما وقع صدام لأمريكا بكل ذلة، فقط ليعاد الى كرسي السلطة ويستمر في قمع العراقيين، وهو الخيار الأنسب للشيطان الأكبر مع صدام المجرب خضوعا وطاعة عمياء
باعتقال جرذ العوجة بدأت مرحلة جديدة من الحكومة الانتقالية في العراق تمثلت بعقد جلسات محاكمة رموز النظام من قبل المحكمة العراقية الجنائية العليا، ويا لها من محاكمة جسدت الديمقراطية أكثر من كل دول العالم، بطريقة خرجت عن أهدافها في ترسيخ العدالة الانتقالية وصارت مصدرا لآلام ذوي الشهداء والمضحين بين عدم حسم جلساتها التي تعدت اكثر من سنتين، وبين المساحة المتاحة لمجرمين قد أبادوا الشعب العراقي مع سبق الاصرار، وبين تحديدهم بعدد 55 فقط وحتى هذا العدد لم يمثل امام المحكمة كله بحجة عدم العثور عليهم وهكذا شاءت الاقدار ان تطغى مظاهر الديمقراطية خارج حدود المألوف في محاكمة جناة قمعوا الانسان وانتهكوا حقوقه طيلة حقبة عهدهم المظلم، وكأن لسان حالنا يقول :
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ
13/12/2021
8جمادي الثانية 1443
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha