اتاح قانون الانتخابات الاخير للمواطنين غير المنتمين الى احزاب، وهم من يطلق عليهم اسم المستقلين، ان يرشحوا باسمائهم المباشرة في الانتخابات. وبسبب ان شريحة كبيرة من الناخبين اصبح لها موقف سلبي من الاحزاب، فقد توجه هؤلاء الناخبون الى المستقلين واعطوهم اصواتهم. وهكذا فاز ٣٩ مرشحا مستقلا، اي غير حزبيين. لكن لوحظ في الاونة الاخيرة امران هما: الامر الاول تجمع عدد من المرشحين المستقلين الفائزين ضمن اطار تنظيمي معين مثل "تحالف النواب المستقلين". ووجود عدد من الاشخاص ضمن صيغة تنظيمية معينة، مهما كان اسمها، يعني انهم تحولوا الى حزب، حتى وان كان بشكل بدائي. وبهذه الخطوة فان المرشح المستقل لا يبقى مستقلا، انما اصبح عضوا في صيغة تنظيمية محددة. الامر الثاني، ان بعض المرشحين المستقلين يلتحق بحزب معين، تحت اي عنوان. وبهذه الخطوة يفقد المرشح المستقل هذه الصفة. ويغدو حزبيا. كلا الحالتين غير صحيحة سياسيا واخلاقيا. بل هي تنصل من الصفة التي قدم بها المرشح نفسه للجمهور. بل هي خيانة للعقد المبرم بين المرشح المستقل والناخبين. ان الانتخاب عقد بين الناخبين وبين المرشح المنتخب. وفي حالة المرشح المسقل، فان هذا العقد الانتخابي يشترط ان يكون المرشح مستقلا وليس منتميا الى حزب ما. والناخب اعطى صوته للمرشح المستقل بصفته مستقلا، والسبب الذي دعا الناخب الى انتخاب المرشح المستقل لانه، اي الناخب، لم يعد يثق بالاحزاب ومرشحيها. وانضمام المرشح الفائز الى حزب ما بعد الانتخابات خيانة لهذا العقد او التعهد بين الناخب والمرشح. وبالتالي فليس من الصحيح تشكيل اطار تنظيمي سياسي من النواب "المستقلين" او انضمام المرشح المستقل الى حزب موجود بعد فوزه في الانتخابات اذا اراد ان يبقى مستقلا، واذا اراد ان يحافظ على العقد الانتخابي والاخلاقي بينه وبين الناخبين الذين انتخبوه بصفته مستقلا وليس حزبيا. بغض النظر عن سماح القانون او عدم سماحه لمثل هذا الامر، فان الالتزام الاخلاقي يفرض على المرشح المستقل الفائز ان يحافظ على صفته كمستقل. ليس لهذا علاقة بالموقف النظري من دور الاحزاب في الحياة السياسية الديمقراطية. فهذا دور اساسي، والاصل هنا ان تقوم الحياة السياسية الديمقراطية على التنافس السلمي بين عدد قليل من الاحزاب الكبيرة على خدمة المواطنين والفوز باصوات الناخبين منهم. والعزوف الظاهر لدى شريحة كبيرة من المواطنين عن العمل الحزبي تشوّه او سوء فهم لدور الاحزاب في الحياة السياسية الديمقراطية سببه من جهة الاداء السيء للاحزاب التي تولت السلطة بعد عام ٢٠٠٣، وسببه من جهة اخرى تدني مستوى الثقافة السياسية الديمقراطية في المجتمع العراقي. والرد الصحيح على هذا هو توجه المجتمع العراقي الى تأسيس حركة وطنية واسعة النطاق على هدي القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، ولا تعيد انتاج سلبيات ونقاط ضعف الاحزاب السياسية الموجودة حالياً. وهذا ما ننتظر تحققه في وقت قريب.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha