د.أمل الأسدي || 🔴الأنموذج الرابع:حوار اللهِ تعالی مع النبيّ عيسی(عليه السلام) ومن نماذج حريةِ التعبيرِ الأخری قوله تعالی:((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۞ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ۞ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) سورة المائدة،الآيات:١١٦ -١١٨ تدور آراءُ المفسرينَ في توجيهِ هذه الآياتِ أو المشهدِ الحواريّ علی أنه مشهدٌ سيكونُ في يومِ القيامةِ،أو أنه مشهدٌ قام حين رفع اللهُ تعالی عيسی( عليه السلام) إليه، أو أنه خطابٌ تحذيريٌّ الی النبيّ عيسی،أي إياكَ أن تقول هذا الكلام!! أو أنهُ إخبارٌ للنبيّ بأن قومَهُ أشركوا باللهِ تعالی ونسبوا الكلامَ إليه. يُنظر علی سبيل المثال:.تفسير الطبري،تفسير القرطبي،تفسير الطبرسي ونحن هنا نودُ التحدثَ عن نقطتينِ مهمتينِ، الأولی :متعلقةٌ بدلالة هذا الحوارِ وأهميتهِ ضمن هذا السياقِ القرآنيِّ، فبعيدا عن توجيهاتِ المفسرينَ للآياتِ الكريمةِ،نری أن هذه الآياتِ وتمظهرَها بهذا الشكلِ الحواريِّ بين اللهِ تعالی والنبيِّ إنما هو إنباءٌ من اللهِ تعالی لما ستكونُ عليه الأمورُ المستقبليةُ بالنسبةِ للنصاری، أي أنه إلقاءُ حجةٍ تامةٍ عليهم،بوساطةِ نفي نبيهم لألوهيتهِ وأمهِ(عليهما السلام) وإقرارهِ بالعبوديةِ للهِ تعالی!! ورغمَ هذا الإنباءِ والتحذيرِ نجدُ من يقولُ حتی عصرِنا هذا : إن اللهَ ثالثُ ثلاثة!! أما النقطةُ الأخری :فهي متعلقةٌ بموضوعِنا عن الخطابِ الالهيِّ وحرية التعبير، فقد استفهمَ اللهُ تعالی من النبيّ عيسی عن حقيقةِ قولِهِ، فأجابه النبيُّ بكلِّ أدبٍ وبشكلٍ تفصيليٍّ يتناسب مع استفهامِ ربِّ العزةِ والجلالةِوتقريرهِ: ١- قدّم ما ينزِّه اللهَ تعالی عن الشركِ فقال: سبحانك!! ٢ - واصلَ ردَّه نافيًا أن يصدرَ عنه مالا يحقُّ قولُه!! ٣- بسطَ حجتَه أكثرَ أمامَ المولی عزّ وجلّ فقال: إن كنتُ قد قلته فأنتَ تعلمُ به! ٤- تعلمُ مافي نفسي،ولا أعلمُ مافي نفسِكَ، وكأنهُ يعلنُ عن جهلهِ بعلةِ استفهامِ المولی رغم أنه يعلمُ مافي نفسِ النبيِّ ويعلمُ توجهَهُ وسلوكَه مع قومهِ. ٥- أكدّ للمولی أنه عليمٌ مطلعٌ علی الغيب فقال:إنكَ أنتَ علاّمُ الغيوب ويمكنُ للمتلقي أن يتأملَ في لوازمِ التأكيدِ في السياقِ(إنّ ـ أنتَ،علاّم،الغيوب)كلها تجعل السياقَ مؤكداً قوياً ثابتاً. ٦- نفی النبيُّ عن نفسه أنه قال شيئا سوی ما اُمِر به، وهو الأمر بعبادةِ اللهِ تعالی وهو ربُّهُ وربُّهُم. ٧- إن اطلاعي علی قومي مرهونٌ بوجودي بينهم، عدا ذلك فإنكَ أنتَ الرقيبُ عليهم! ٨- اختتم النبيُّ إجابتَهُ بإحالةِ الأمر لله تعالی، فهم عبادُهُ والأمرُ متروكٌ إليه، يغفر لهم أو يعذِّبهم، إنه العزيز الحكيم. فنلاحظُ مدی حريةِ التعبيرِ في حضرةِ المولی،فحين سألَ الجليلُ سؤالا واحدا، ردّ عليه النبيُّ رداً مفصلا مبسوطا، أظهر فيه براءتَه وقدّمَ حجتَه بطريقةٍ حواريةٍ شفافةٍ، استغرقتْ وحداتٍ لغويةٍ عديدةٍ، تلقّاها ربُّ العزةِ وتقبّلها قبولاً حسنا إذ واصل حوارَهُ مع النبيّ :((قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))سورة المائدة،الآية :١١٩اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام https://telegram.me/buratha