عبد الرحمن المالكي ||
عظم الله اجوركم ونحن نعيش الرواية الاولى لأستشهاد السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) حيث إنَّ الله خلق محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون آية قدرته في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامة وآية على قدرة الله في إبداع مخلوق أنثى تكون كتلة من الفضائل ومجموعة من المواهب والشمائل فقد أعطى الله فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأية أنثى أن تبلغ تلك المنزلة.
فهي من زمرة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض، فقد نزلت في حقها الآيات المحكمات التي تتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى أن تقوم الساعة ، إنها الزهراء أم أبيها التي يثني عليها الله ويرضى لرضاها ويغضب لغضبها وصاحبة تلك المكانة الرفيعة العظيمة عند أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي كم تحدث عن عظمتها وجلالة قدرها..
لا يوجد كلام ولا وصف مهما بلغت فصاحته وبلاغته من الممكن أن يحقق غايته في الوصول إلى الإحاطة بالطهر البتول أو إيفائها شيئا من حقها ولو كانت كتبا ومجلدات متعددة الأجزاء والفصول..
لكن علّنا نمر على بعض الصفات والمكارم لننهل ولنتعلم منها كيف تكون حياة العظماء الأكارم.
لقد بلغت فاطمة الزهراء عليها السلام ذروة الكمال الإنساني والإيماني في شتى مجالات وجوانب الحياة فاستحقت بجدارة أن تكون سيدة نساء العالمين ومفضلة حتى على فضلياتهن أجمعين، فهي سيدة نساء الدنيا وسيدة النساء في جنات النعيم قد اصطفاها الله وكرمها ورفع قدرها وأعلى شأنها ومقامها كما كانت الأعلى مكانة عند أبيها فكانت أم أبيها وكم كان لها من قدر ومكانة في قلبه ونفسه ومن الصعب تحديد مكانة السيدة فاطمة الزهراء عند أبيها رسول الله بل إنه خارج عن قدرة القلم واللسان والتحليل والبيان .
لقد كان حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للزهراء لا يشبه محبة الآباء لبناتهم إذ كان الحب مزيجا بالاحترام والتعظيم فلم يعهد من أي أب في العالم ما شوهد من الرسول تجاه فاطمة الزهراء،وقد كان الرسول ينظر إليها بنظرة الإكبار والإجلال وذلك لما كانت تتمتع به من الفضائل والمزايا وقد كان لا يفوِّت فرصة أو مناسبة تمر به إلا وينوّه بعظمة ابنته وذلك لعظيم مكانتها عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد ضربت الزهراء عليها السلام أروع الأمثلة في كل جوانب الحياة والعبادة والإيمان وبرعت فيه ما لم يصل إليها أحد أو يسبقها أحد وكانت مدرسة وقدوة للأجيال المتعاقبة وقد اتخذت من العبادة الطريق إلى التوفيق والإعانة والكمال في مختلف نواحي الحياة وجوانبها .
وإذا تناولنا جانباً من هذه الجوانب وهو دورها السياسي فعلى الرغم من أنها جسدت أعظم صور المرأة في إيمانها وعبادتها وفي بيتها كإبنة ثم كزوجة وكأم وكانت تقوم بمهام ومسؤوليات بيتها وجميع أدوارها على أكمل وأتم وجه إلا أنها كانت جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي تعيش فيه وكانت مهتمة بكل ما يدور حولها من أحداث وهي من كانت العون والسند لأبيها الذي تربت على يديه وتشربت منه كل القيم والمبادئ الإلهية والنبوية العظيمة،ثم لزوجها وهو فارس الإسلام الأول في الجهاد ورفع راية الدين فكانت نعم العون والرافد في الكفاح والنضال ونصرة الحق.
ولها في الدور السياسي مواقف لا تنسى خلدها التاريخ في أنصع صفحاته فقد كان لها الدور الرائد في نصرة الإسلام والدفاع عن قضاياه الكبرى وهي من تحركت التحرك الجاد في مواجهة أول انحراف في الإسلام والذي كان في الحكم، حيث رفعت صوتها وصرخت بقوة ملفتة في وجه السلطة الجديدة التي انحرفت بمسار الحكم عمن اختاره الله وعمن أعلن رسول الله ولايته في أكثر من موقف بشكل واضح وصريح، وقد خطبت خطبتها الشهيرة في مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جموع المسلمين وكانت خطبة قوية وبليغة وكانت لهجتها فيها شديدة وقد تناولت فيها الكثير من المحاور والنقاط والتي كان أهمها التذكير بمشروع الإسلام وتشريعاته وطبيعة رسالة والدها وولاية زوجها وكيف كان حال أصحاب رسول الله وما أصبحوا فيه ... وقد وضحت في خطبتها خطورة هذا الانحراف وتهديده للإسلام.
وتعتبر هذه الخطبة معجزة خالدة للسيدة فاطمة الزهراء وآية بينة باهرة تدل على جانب عظيم من ثقافتها وعظمتها وشخصيتها الفذة ومكانتها السامية.
وأما الفصاحة والبلاغة وحلاوة البيان وعذوبة المنطق وقوة الحجة ومتانة الدليل وتنسيق الكلام وإيراد أنواع الاستعارة بالكناية وعلو المستوى والتركيز على الهدف وتنوع البحث ما لا يمكن وصفه.. فقد كانت السيدة فاطمة الزهراء مسلحة بسلاح الحجة الواضحة والبرهان القاطع والدليل القوي المقنع ما لم يسبق له مثيل إلى ذلك اليوم ولا ما بعده.
وقد كان لها خطبة في نساء المهاجرين والأنصار كما كانت تدور في بيوتهم وتحرضهم على الثورة في نصرة الحق واتخاذ الموقف الصحيح وكانت توضح لهم ما هم عليه من التخاذل وعواقبه الوخيمة.