قاسم العجرش ||
يوجد مفهومان متناقضان للدولة؛ أولهما يرى أن الدولة؛ أداة للحكم فوق الطبقات والمجتمع، وأن الدولة جهاز في خدمة الشعب، يضمن حقه في الحياة والشغل، والمشاركة في تسيير الشأن العام ويحفظ كرامته، فضلا عن كونها جهازا يحافظ على النظام، ويوفر الأمن والاستقرار، ويسهر على تطبيق القانون، وهي جهاز يضمن حرية”المواطنين” والمساواة بينهم
هذا المفهوم زائف، مضلل ومخادع للجماهير؛ إذ لا يمكن أن توجد دولة للجميع؛ في مجتمع فيه فقير وغني، مُستَغِل ومُستَغَل..
ثمة مفهوم موازي للدولة؛ يرى أن الدولة ليست إلا آلة بيد طبقة، تُحكِمُ بها سيطرتها على المجتمع، وهكذا فإن الدولة جهاز تظلم بواسطته، الفئات المحرومة المستضعفة من المجتمع، وهي بالحقيقة أداة بيد الفاسدين وأصحاب النفوذ، لإخضاع تلك الفئات المضطَهَدة، بالوسائل العسكرية والبوليسية والقضائية والاقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها..
في مثل هكذا دولة؛ فإن الحق الانتخابي العام، والجمعية التأسيسية والبرلمان، ليست سوى عناصر تكميلية لمشهد زائف مخادع، يُخفي خلفه دولة اللصوص.
الحقيقة الموضوعية، التي يتجنب كثير من الباحثين مقاربتها، هي أن الدولة القائمة في العراق، منذ مائة عام، أُنْشِئَتْ على أن تكون دولة مصالح، تخدم رأس المال العالمي والدول الاستعمارية، وينعم بخيرات البلاد فيها، كبار السماسرة والملاكين العقاريين والعسكر، والشريحة البيروقراطية المرتبطة بهم..
دولة ما بعد 2003؛ لم تستطع الخروج من شرنقة هذا التوصيف، لأن تغيير نظام القهر والإذلال البعثي، لم يتم بعملية عراقية شعبية ثورية، بل جاء بيد أعتى قوة مستكبرة في العالم، ومن البديهي أن لا تأتي هذه القوة الغاشمة، إلا بنظام خادم لمصالحها، مع أن النظام الصدامي كان أيضا يخدم مصالحها، لكن تلك الخدمة لم تكن بالكفاءة المطلوبة، فضلا عن عدم سلاستها، لا سيما أن النظام الصدامي البعثي، كان نظاما ديكتاتوريا مفضوحا، لذلك توفرت للاستكبار العالمي قناعة تامة بضرورة تغييره، والإتيان بنظام يلبس ثياب الديمقراطية، كبديل مقبول في القرن الحادي والعشرين..وهكذا كان..!
مشكلتنا ومشكلة القوى السياسية العراقية، وخصوصا الإسلامية منها، أنها تعرف هذه الحقيقة، ولكنها تعمل على قاعدة ” لعل وعسى”، وهي مبنية على قاعدة ” درء المفاسد أولى من جلب المصالح “..مع أن هذه القاعدة مقيدة عقلا. لأنه إذا اجتمع في الشيء المنافع، وتساوت المنافع والمضار، فإنه يكون ممنوعاً من أجل المفسدة، وهذا قيد لا بد منه للعقلاء، إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة غلب جانب المفسدة التساوي، أما إذا ترجحت المنفعة فإنه يؤخذ بها، وإذا ترجحت المفسدة فإنه يُغلَبُ جانبُها.
هكذا كان تفكير قوانا السياسية، أنهم اعتقدوا أن إزالة صدام ونظامه ولو بيد الأمريكان، فإنه أمر نافع وإن اكتنفته المفاسد، لكن الذي حصدوه وحصدناه، هو المفاسد ولا شيء غيرها، أما المنافع المتحققة، فهي وإن كانت ملموسة، لكن المفاسد أكلتها..
بعد أن انتصر شعبنا على داعش؛ ذلك الغول الذي صنعه الأمريكي، لكبح جماح آمال التغيير الحقيقي، الذي شرعت به المقاومة الإسلامية في العراق، وهو تغيير يعني عمليا انفلات العراق من اليد الأمريكية، وضعت تلك اليد خطة بديلة؛ لإحكام هيمنتها على العراق، مستخدمة البديل الانتخابي، وهو بديل مغري يمكن أن يؤدي لتحقيق الهدف الأمريكي، وهذا ما حصل بعد أن مهدت له أمريكا بسنارة تشرين 2019، الذي ابتلع طعمها كثير من أبناء شعبنا، وهيأت لهذا البديل تكتيكات تتمثل بالتواجد عبر”الانتخابات” وتعيين أتباعها في المؤسسات التنفيذية للدولة، والتوطئة للحصول على الأغلبية عبر “الانتخابات”، وبالتالي إحكام قبضتها على الدولة العراقية برمتها.
الحقيقة أنه ليست هنالك إمكانية؛ لإصلاح النظام الفاسد من الداخل، وأنه لا إمكانية لحل المشاكل الأساسية التي يعاني منها الشعب في إطار النظام القائم،..
كلام قبل السلام: القبول بنتائج الانتخابات الحالية، يعني استسلاما للجزار الأمريكي، وانخراطا في معسكره وخيانة لثوابت شعبنا ..!
سلام ..
https://telegram.me/buratha