حافظ آل بشارة ||
حافظ آل بشارة || في الدول الديمقراطية المستقلة يطلقون على الاعلام اسم (السلطة الرابعة) فنظام الحكم الديمقراطي مؤلف من ثلاث سلطات هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، ولأن السلطات الثلاث ذات سيادة وقرار مستقل فان الاعلام بوصفه سلطة رابعة يكون ايضا مستقلا وصاحب قرار ، الاعلام في الدول المستقلة يقوم بمراقبة ونقد كل السلطات ومراقبة ونقد المجتمع ايضا ، وتشكيل حلقة وصل بين الحكومة والشعب وبالعكس ، وايجاد مساحة للحوار بين الجمهور ، وصناعة الرأي العام في مختلف الملفات والقضايا ، وتحقيق التواصل القيمي بين الاجيال وحفظ الهوية الوطنية ، ولكن عندما يكون البلد محتلا فذلك يعني ان جميع السلطات فيه سلطات شكلية وديكور ومجرد اسماء لا تمتلك الاستقلال ولا القرار ، بل اكثر من ذلك هي سلطات مسخرة لخدمة مصالح الاحتلال ، اذن سيكون دورها هداما في حياة البلد لأن مصالح الاحتلال والبلد المحتل متناقضة ، وعندما تفقد السلطات الثلاث مصداقيتها بهذا الشكل فليس معقولا ان تكون هناك سلطة رابعة حقيقية ، وبدلا منها يتكون وينمو اعلام الاحتلال .
وهنا تبدأ المعركة الناعمة الصامتة بين اعلام الاحتلال واعلام المقاومة ، وعادة يشكو اعلام المقاومة من شحة التمويل فتكون وسائله في البث والنشر ضعيفة ، والعاملون فيه ضعفاء مهنيا لعدم قدرته على استقطاب الكفاءات وعجزه عن منح رواتب مناسبة للعاملين ، واعتماده على العمل التطوعي ، ومعروف ان الاعتماد على المتطوعين لا ينتج مؤسسة اعلامية رصينة.
هدف القطاع الاعلامي التابع للاحتلال اغراق المجتمع برسائل متنوعة لأجل تعميق التبعية وتسطيح الوعي ، واشاعة التفاهة ، وسلب الثقة بالنفس ومسخ الهوية والانتماء ، والافساد الاخلاقي ، وتجهيل المجتمع وتشجيع البطالة وزرع البغض والعداء لقيم الدين ، واشاعة التفرقة واذكاء عوامل الصراع الاجتماعي ، وتخريب علاقة المجتمع بالمقاومة ، وتبرئة الاحتلال من الجرائم والصاقها بالمقاومة ، ومحاولة اقناع المجتمع بأن ما يلحق به من مآس ليس سببها الاحتلال بل سببها التمسك بالمقاومة والدين والاخلاق . وينتدب الاحتلال افضل الاعلاميين وصناع الرأي وصناع الرسالة الاعلامية شكلا ومضمونا للعمل في اعلامه ويغدق عليهم الاموال الهائلة والامتيازات ، ويستخدم احدث التقنيات ، فتكون رسالته الاعلامية اجود بناء واكثر اقناعا وسحرا واخطر دورا .
اما المقاومة فتكون مقاومة سياسية او مقاومة مسلحة او كلاهما ، والمهم في هذا المقام ان المقاومة لا يمكن ان تعمل مالم تكن منبثقة من ارادة الشعب ، فيكون لها غطاء جماهيري ، وتكون لها بيئة اجتماعية حاضنة ، وهنا يتنازع اعلام المقاومة واعلام الاحتلال على بيئة اجتماعية واحدة ، ومقابل اعلام الاحتلال يعمل اعلام المقاومة على تثقيف المجتمع تعبويا ومعرفيا ثقافة تدعو الى التحرر ، ورفض الاحتلال والتبعية ، واطلاعه على حقيقة ما يجري واستنهاض الأمة والتذكير بالقيم الدينية والاخلاقية ، وجريا على قاعدة ان الاعلام انعكاس لما يجري على الارض ، تجد ان سلوك المقاومين السياسيين او المسلحين ينعكس على اداء مؤسساتهم الاعلامية ، وبذلك يصبح هذا الضجيج وهذه الفوضى في الفضاء الاعلامي المزدحم امورا مفهومة ، ويمكن تفصيل ذلك في مقالات أخرى.