المقالات

صار الامر مفهوما..!


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

خمس وثلاثون سنة من حكم البعث الاستبدادي تكفي لان تمنحنا حاسة شم وتوقع قوية لعملية صنع الدكتاتور. وهي عملية كشف ابعادها وخفاياها زهير الجزائري في كتابه القيم "المستبد" (صدر عام ٢٠٠٦)، الذي قال عنه المرحوم فالح عبد الجبار في مقدمته انه يقدم "لجيل الشباب الذي لم يعش اهوال نشوء الدولة البعثية الشمولية" الكثير من التفاصيل حول هذه الظاهرة الخطيرة التي نشهد الان محاولة يائسة ومفضوحة لاعادة انتاجها بدءاً من صناعة رمز فارغ من المحتوى، الى محاولة استغلال كل ظرف وحدث من اجل مصادرة الدولة لصالحه شخصيا، تمهيدا للبناء التدريجي لعبادة الشخصية ولدكتاتورية الفرد الزعيم.

كل هذا تكفل بالقيام به بيان مقتضب موقع من "المجلس الوزاري للامن الوطني"، وهو هيئة لم يتم تعريفها دستوريا ولا قانونيا من قبل، بخصوص ما يقال انه محاولة لاغتيال رئيس الوزراء.

قد يصدق البعض بوجود هذه المحاولة، وقد لا يصدق اخرون، من بينهم رئيس الوزراء نفسه وانا، بوجودها. فكل القرائن الحالية والفنية تشير الى انها مسرحية غير محبوكة القصة وغير محكمة الاخراج. لكن هذا لا يهم. تصدق او لا تصدق غير مهم. لكن من المهم ان تنتبه للتوظيف السياسي السريع للمحاولة "المزعومة". وهذا ما صار مفهوما بجلاء في البيان.

اول ما سوف نلاحظه في البيان انه ساوى في القيمة الاعتبارية بين "الدولة" وبين "رئيس وزرائها"، فقد اعتبر البيان ان محاولة الاغتيال تعد "استهدافاً خطيراً للـدولة العراقية"، وهو امر لم يقله عبد الكريم قاسم بشأن محاولة اغتياله البعثية في عام ١٩٥٩ على يد صدام حسين. وهذه خطوة كبيرة نحو جعل شخص رئيس الوزراء معادلا للدولة. وهذا تفكير بعثي بامتياز.

واستطرادا لهذا الموقف، فان البيان كلف القوات المسلحة بامرين على التوازي، وهما: حماية امن العراق، وحماية "سيادته"، اي رئيس الوزراء، في حين ان حماية رئيس الوزراء هي مهمة شرطة حماية الشخصيات التابعة لوزارة الداخلية.

والامر الثالث الخطير ان البيان حدد هوية القائمين بمحاولة الاغتيال بانها "جماعات مسلحة مجرمة"، دون ان يسميها وقبل ان ان ينتهي التحقيق، بل قبل ان يبدأ التحقيق، لمعرفة الفاعل الذي قد يكون سفارة اجنبية تريد اثارة الفوضى، او قد يكون مجرد مسرحية مفبركة، كما يرى البعض.

لغة البيان ولهجته لا تترك مجالا للشك في اننا مقبلون على حملة اعتقالات واسعة تستهدف المعارضين لرئيس الوزراء المستقيل، والرافضين لعودته الى المنصب مرة اخرى لارهابهم ومن ثم اجبارهم على القبول به رئيسا للوزراء مرة اخرى، بالضبط كما جرت عملية التمهيد لتوليه هذا المنصب منذ تعيينه في جهاز المخابرات من قبل حيدر العبادي، الى استقالة عادل عبد المهدي، مرورا بالتكليف الصوري للزرفي وعلاوي. وفي هذه السياق تأتي محاولة الاغتيال سواء كانت حقيقية ام مزعومة لزيادة رصيد الرجل الذي كاد يفقد الامل بالتجديد. وبين هذا وذاك لا نشك في ان الاعلان عن العملية يستهدف صرف نظر الرأي العام عن القضايا والمشاكل الحقيقية التي يعاني منها.

لقد وعدنا رئيس الوزراء انه قبل بالمنصب كحكومة انتقالية مهمتها محددة ومحصورة باجراء الانتخابات. وقد انجز هذه المهمة على افضل وجه من الإشكالات، فجزاه الله خيرا عن امة العراق، وعليه الان ان يتخلى الان عن الرغبة في البقاء في السلطة، مع علمي بصعوبة ذلك، حيث اتضح عندنا ان كل من يتولى منصب رئاسة الحكومة يعيش حلم ان يصبح زعيما لهذه الامة المنكوبة. لكن لا اقل من ان يدرك انه اصبح جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، فليغادر غير مأسوف عليه، وليقضي اللهُ امرا كان مفعولا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك