المقالات

اصلاح العامل الداخلي


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

قلت في مقال سابق ان العلاقة بين قوة العامل الداخلي وضعف العامل الخارجي عكسية: قوة العامل الداخلي تؤدي الى ضعف تأثير العامل الخارجي في الداخل. والعكس يصح؛ بمعنى ان ضعف العامل الداخلي يغري العامل الخارجي بالتدخل. لذا، اقول ان الهتافات الحماسية ضد هذا العامل الخارجي او ذاك لا معنى لها اذا لم تفترن بقوة العامل الداخلي. بل ان العامل الداخلي القوي لا ينزع الى مخاصمة العامل الخارجي، انما يعمل من اجل اقامة علاقة متوازنة مع العامل الخارجي تحقق مصالح الطرفين. هذا هو قانون العلاقات الدولية، فالعداوات بين الدول سرعان ما تذوب وتختفي بعد فترة، وذلك حين تدرك الاطراف المعنية ان العداوة فيما بينها لا تحقق مصالحهما. وخير مثال يضربه الباحثون في العلاقات العدائية بين  الصين و الولايات المتحدة الاميركية، وكيف انهت لعبة بينغ بونغ حالة العداء في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي.

نعود الى البداية بعد هذا الاستطراد السريع. الاداء الدولي للدولة انعكاس وتجسيد لحالتها الداخلية، وامتداد لحالة العامل الداخلي. فكلما كان العامل الداخلي قويا بتماسكه كلما كانت قدرة الدولة على اقامة علاقات خارجية متوازنة مع الدول الاخرى.

يستمد العامل الداخلي قوته من عدة مصادر، منها الثروة الطبيعية، الاقتصاد، الخ. لكن المنبع الاهم لقوة العامل الداخلي هو الشعب نفسه.  الشعوب القوية والصالحة والفعالة هي التي تستطيع ان تمد دولتها بالصلاح والقوة والفعالية في المسرح الدولي. بهذا انا اعطي للشعب الاولوية. فالشعب هو صاحب السيادة، ويستمد الشعب سيادته من الجهة المانحة التي يؤمن بها. وبالنسبة لشعب مسلم باغلبيته كالشعب العراقي، فانه يستمد سيادته من الله الذي استخلف الانسان في الارض، انطلاقا من قوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". والشعب الذي يماري بهذا العطاء ويتنكر له ويُعرض عن الله انما يخسر هبة الهبة التي تناضل الشعوب الحية والواعية عادة من اجل الحصول عليها.

قد يخالفني بعض القراء ويعطي الاولوية للحكومة، وانا لا انكر اهمية الحكومة، لكن الحكومة هي تعبير عن "حالة" العامل الداخلي، حتى وان كانت غير ممثلة له بالمعايير الديمقراطية. الشعب الصالح الفعال يقيم حكومة صالحة فعالة. والعكس يصح. والشعب الذي يسكت على حكومة فاسدة يتحمل جزءً من مسؤولية بقائها. ولا تقل لي ان هذا لا ينطبق على الشعب العراقي، ولا تقل لي ان الشعب العراقي خامل لا امل فيه. وعندي مناسبتان يكون فيهما للشعب العراقي الدور الكبير. المناسبة الاولى تظاهرات تشرين الاحتجاجية، وزيارة الاربعين. فكلا المناسبتين اثبتتا ان الشعب العراقي شعب فعال شجاع ذو طاقة كبيرة رغم ان الشعب في هاتين المناسبتين لم يستطع فرض خط اصلاحي للدولة والمجتمع لان هذا الخط لم يكن واضحا في الحالتين عكس ما كان عليه الامر حين ثار الامام الحسين الذي صرّح بوضوح انه خرج طلبا للاصلاح في امة جده، وكان يقصد بشكل محدد وحاسم تولية يزيد لخلافة رسول الله.

ان الاصلاح السياسي الحقيقي للدولة لا يتحقق دون تحقيق اصلاح العامل الداخلي الذي يشكل الشعب عموده الفقري. ولا اقصد بالشعب هنا فقط جماعة الناخبين، اي الافراد الذين يحق لهم الادلاء باصواتهم في الانتخابات، وانما اقصد عموم الناس، لان القانون التاريخي والسنة الالهية تقول:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ". فالكرة في ملعب الناس اولا، فإذا تحقق الاصلاح على مستوى الناس، كان الاصلاح على مستوى الحكومة اسهل، بل ان اصلاح الحكومة تبع ونتيجة لاصلاح الشعب. و تلك هي "سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا"، "وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك