المقالات

التدخل الخارجي


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   ربما يلاحظ بعض قرّائي واصدقائي انني لا اذكر "التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لبلدنا" الا قليلا. وهذا ليس نسيانا ولا انكارا ولا تقليلا لدور هذه التدخلات وتأثيرها الكبير على مجرى الاحداث عندنا.  فالتدخل الاجنبي يكاد تكون ظاهرة عالمية. فها نحن نشاهد دولا مختلفة تسعى الى التدخل بشؤون الدول الاخرى تحقيقا لمصالحها الخاصة. ولا مجال لاغفال النظر عن هذه الظاهرة الدولية. لكني ارى في نفس الوقت ان قوة او ضعف التدخل الاجنبي يعتمد بالدرجة الاساس على قوة الوضع الداخلي. والعلاقة بين "العامل الخارجي" و "العامل الداخلي" عكسية وليست طردية، قوةً او ضعفاً. فحين يكون العامل الداخلي قويا يضعف العامل الخارجي، والعكس بالعكس. ولهذا اقول ان اقصر طريق للحد من تاثيرات العامل الخارجي يكمن في تعزيز العامل الداخلي وتقويته وسد اية ثغرة محتملة فيه.  كان العراق عرضة للتدخل الخارجي على الاقل منذ عام ١٢٥٨ حين اجتاح المغول ( وهم قوة خارجية) بقايا الدولة العباسية في بغداد واسقطوها. وكان ذلك الحدث الجلل نتيجة حتمية لتراكم عوامل الضعف والانكسار في بنية الدولةِ الاسلامية، والدولة بدورها تمثل الكيان السياسي للمجتمع. فنحن نتحدث عن ضعف المجتمع وتفككه، ومن ثم سقوط دولته وانهيارها، سواء بفعل العامل الخارجي، او بسبب العامل الداخلي،  او بسبب تفاعل العاملين. لقد بدأ تحرك المغول وغزوهم لبلاد المسلمين (انطلاقا من شرق اسيا) قبل ٣٩ سنة من سقوط بغداد، ولكن بسبب ضعف العامل الداخلي لم يتمكن المسلمون من صد المغول عن بلدهم الى ان انتهى الامر باحتلال بغداد في غرب اسيا. وصف المؤرخ ابن الاثير المعاصر للغزو المغولي المتوفي سنة ٦٣٠ هجرية اي قبل سقوط بغداد بست عشرين سنة احداث سنة ٦١٧ وما سبقها وهي التي شهدت بداية خروج المغول بالكلمات التالية المحزنة:"لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فانا اقدم رجلا و أوخر اخرى؛ فمن الذي يسهل عليه ان يكتب نعي الاسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فياليت امي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا". وقد لخص ابن الاثير الوضع الداخلي بكلمات قليلة حيث قال:"فان هؤلاء التتر انما استقام لهم هذا الامر لعدم المانع". ولم يرتفع المانع منذ ذلك الحين. فمازال العراق منطقة تخلخل في الضغط الجوي تهب عليه رياح التدخل الاجنبي من كل جانب. واصبح ساحة لحروب الاخرين التي ما انتهت الى يومنا الحاضر. والسبب المباشر لذلك هو ضعف العامل الداخلي، ضعف البنية الداخلية للمجتمع العراقي، تفكك المركب الحضاري للمجتمع وتراجع القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة. واول علامات ذلك هو التنازع الداخلي الذي يشكل بدوره السبب الاعظم لضعف المجتمع، وهو الامر الذي سبق للقرآن ان حذر منه بقوله:"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". وهذا هو حال المجتمع العراقي اليوم. وسيقول لي قائل ان سبب ذلك هو العامل الخارجي، اي تدخل الدول الاجنبية، وسوف ارد على هذا القول مسرعا ان سبب قوة العامل الخارجي هو ضعف العامل الداخلي، او ما يسميه الكاتب الجزائري مالك بن نبي "القابلية للاستعمار"، و قبله اطلق عليه الكاتب الفرنسي ايتيان دي لا بوسي اسم "العبودية الطوعية". لذا اقول انه لاسبيل لصد التدخلات الخارجية والحد منها سوى اصلاح الداخل وتقوية الجبهة الداخلية وادارة الخلافات بين ابناء البلد الواحد بطريقة تعزز الوحدة الوطنية لا ان تضعفها وتمزقها. 
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك