قاسم العجرش ||
تعتبر الانتخابات هي الوسيلة المُثلى التي اتفقت عليها الشعوب في نظم أمرها، وحسم كيفية إدارة الحكم وتداول السلطة بأسلوب سلمي، سواء بانتخاب ممثلين للشعب كبرلمانيين ينوبون عنهم، في تشريع القوانين، ومراقبة الأداء الحكومي، وعرض مشكلاتهم أمام الحكومة، أو في انتخاب رئيس يؤمن مصالحهم، ويحقق مطالبهم، لكن يبدو أن الأمر لا يسير هكذا في بعض الدول، حيث تحولت فيها الانتخابات؛ إلى وسيلة شكلية تستخدمها الحكومات، لتؤكد للعالم، أنها تكرس الديمقراطية وتمنح الشعب حق الاختيار، في حين يظهر التزوير كعدو لدود يحارب هذا العرس الديمقراطي، ويحوله من أداة تخدم المواطن، إلى مجرد عرض مسرحي هزلي، تحقق الأنظمة من ورائه مصالحها الخاصة، بإنجاح من يطيب لهم، وإسقاط من يخالف رأيهم.
بحسب ما جاء في موسوعة غينيس العالمية، حدثت أكبر عملية تزوير أعلن عنها في التأريخ في ليبيريا تحديدًا عام 1927، عندما حصل المرشح الرئاسي «تشارلز كينج» -وفقًا للبيانات الرسمية- على تأييد 234 ألف صوت، في حين أن قوائم ليبيريا – في ذلك الوقت - لم يكن مسجل فيها سوى 15 ألف ناخب فقط.!
تعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول 2021، أكثر التجارب الانتخابية غموضا؛ منذ أول انتخابات جرت مطلع عام 2005، لأسباب عدة تتعلق بقانونها الجديد الذي لم يسبق أن طبق في العراق، وظروف تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والبيئة السياسية المحيطة بالعملية الانتخابية، وأعين الدول والجهات الخارجية التي اعتادت على التدخل في الانتخابات العراقية، ودفع مخرجاتها باتجاهات محددة.
أنجزنا للتو انتخابات أبكر عن موعدها في نيسان 2022 ، في خطوة فقدت معنى التبكير، بعدما جرى تأجيل الأنتخابات مرة، وتأجيل التأجيل مرتين، وكان الاجدر ان نذهب الى المواعيد الدستورية، لكننا شعب مطيع لمن طلب استقالة عبد المهدي وحكومته المثيرة للجدل، ودعا الى انتخابات مبكرة، وأتت بعد استقالة او إقالة عبد المهدي حكومة أكثر منها جدلا، كان عليها ان تنجز الانتخابات المبكرة في موعد اقصاه ستة أشهر بعد رحيل حكومة عادل عبد المهدي، لكن يبدو أن الأوراق لم تكن مرتبة بشكل جيد، لصالح القوى التي خربت العملية السياسية، والتي تقف أمريكا وراءها بالتأكيد، ولذلك تم تأجيلها مرة تلو الأخرى!
مفوضية الأنتخابات التي شكلت إثر رحيل عبد المهدي من قضاة ينتمون الى جميع مكونات الشعب العراقي، ترسيخا لمبدأ المحاصصة، التي يتبرأ منها الجميع لكنهم يمارسونها كعبادة مفروضة، تعاطت مع واجباتها الانتخابية بطريقة سيئة جدا، إذ لم تلتزم بالسياقات القانونية جملة وتفصيلا، ولم تحترم روزنامة الانتخابات، وسمحت أو تغاضت عن خروقات لا تحصى سواء في التصويت الخاص أو التصويت العام، وقامت هي ذاتها بتزوير نسب المشاركة بالانتخابات، وأستخدمت أجهزة إليكترونية غير موثوق بها، فضلا عن أنها ولسبب مبهم وضعت سيرفرات العملية النتخابية تحت رحمة دولة الإمارات العبرية المتحدة.
الحوادث من هذا النوع تقلل من مصداقية نتائج الانتخابات، والحديث يدور عن حقائق تم تثبيتها، مشيرا إلى أن تقارير عن حوادث تزوير، قد لا تكون أقل خطورة من هذه الحوادث بعينها، وثمة شهادات نصية عن أعمال إجرامية ارتكبت أثناء الانتخابات، وهنالك معلومات موثقة عن ترهيب واستيلاء على مراكز اقتراع، وتسجيل بطاقات اقتراع بدون تدقيق في التوقيعات، فضلا عن التعطيل المتعمد لأجهزة البايومتري، وإطفاء لشبكات الانترنيت والكهرباء، واجتهادات لموظفي الاقتراع برفض بطاقات الناخبين.
المفوضية وبنرجسية عالية، صمت آذانها عن الشكاوى والطعون، ومن أصل آلاف الشكاوى لم تقبل سوى عدد لا يتجاوز أصابع يدين، في سابقة استبدادية لافتة للنظر، وفيها تحولت المفوضية وهو المشكو منها الى قاض وحكم، وهو ما لم يحدث في اي بلد في العالم، ولا حتى في ليبيريا 1927..!
لم تكن المفوضية وحدها من سعى الى تخريب الانتخابات، فقد هيمن المال السياسي الذي استخدم لشراء أصوات الناخبين، خصوصا في الساحة السنية، وتم توثيق العديد من حالات شراء الأصوات التي يجرمها قانون الانتخاب، ورفعت إلى الهيئة المستقلة للانتخاب التي لم تتخذ إزاءها اي إجراءات رسمية ومحاسبة،
ووفقا لتقارير مختصين بمراقبة الانتخابات والبرلمان، فقد شهدت الانتخابات زيادة في عملية شراء الأصوات، وحدّ المال الأسود من حرية الناخبين، إلى جانب تسجيل مئات الملاحظات على الإجراءات الانتخابية.
كما تم حرمان مقاتلي الحشد الشعبي من المشاركة بالاقتراع الخاص، في إجراء تقاذف رمي المسؤولية عنه، كل من مفوضية الانتخابات وإدارة هيئة الحشد الشعبي، وهكذا ضاعت أصوات أكثر من 170 الف مقاتل أدراج الرياح.
نتائج الأنتخابات كانت صادمة جدا، فهي لا تعبر عن الخارطة السياسية العراقية، لا على صعيد المكونات، ولا على صعيد الإنشغالات والاهتمامات، وبدت وكأنها معبأة ومرزومة سلفا، بعدما صممت لإزاحة أنصار الحشد الشعبي، تمهيدا لتسريحه أو حله او دمجه بالقوات الأمنية، واذابته لأن الأمريكي، وهو مصمم العملية السياسية العراقية، لا يريد أن يرى حزب الله ثانيا في المنطقة..!
ـــــ
https://telegram.me/buratha