علي عبد سلمان ||
في العمل السياسي والتخطيط الإستراتيجي، غالبا ما توضع الإفتراضات المسبقة، كي تحقق نتائج ترغب بتحقيقها الجهة المسووقة لها، ويسجل التاريخ السياسي كثير من هذه الوقائع، التي باتت علامات يقف عندها الدارسون، فحصا وإتعاضا وإستلهاما للقادم من الأحداث..
أمثلة التاريخ أكثر من أن نحتاج الى إيرادها، لكن رغم أن المقدمات يجب أن تكون صحيحة، للوصول لنتائج صحيحة، إلا أن المقدمات الصحيحة؛ ليست كافية وحدها للوصول لنتائج صحيحة؛ بعبارة أخرى؛ المقدمات الصحيحة هي شرط لازم غير كاف؛ للوصول لنتائج صحيحة..
في قضية العلاقة مع الأمريكان، ثمة نقطة جوهرية لم يتم بنائها على إفتراضات، بل أنتجتها وقائع الأحداث وإتجاهاتها، وهي ليست توقعات بقدر ما هي محصلة مؤكدة، بنيت بعض جوانبها بواسطة التفكير والإستنتاج المنطقي، وليس بواسطة "التنبؤات" التي لا تستند على أرضية حقيقية.
أمريكا وعلى مر تاريخ علاقتها مع الشعوب، كانت غالبا ما ترسم نهايات سيئة لتلك العلاقة بيدها، مرات من حيث لا تدري أو تريد، ومرات أخرى من حيث تريد وتدري، في علاقتها مع اليابان وأوربا كان الإستعلاء والغطرسة، وسائل لفرض النفوذ والهيمنة الإقتصادية، لكن المحصلة أن اليابان وأوربا متفوقين على أمريكا التي باتت تحتاجهم وقلما يحتاجونها، وبالتالي تحولت الى نمر من ورق..
دول جنوب شرق آسيا شقت طريها الى النمو الإقتصادي، فيما أمريكا بقيت تستعرض عضلاتها الفارغة هناك بمجون لا يلتفت أليه احد!
الصين والهند عمالقة النمو الإقتصادي، وها هما يخرجان سراعا من الفقر المدقع الى الإزدهار، مع نقاط متقدمة كثيرة لصالح الصين.. تفكك الاتحاد السوفيتي سابقا ورجوع الدب الروسي كقوة عالمية عسكرية ضاهت أمريكا، مل ذلك قزم من الاقتصاد الأمريكي، ووضعه في أزمات وعراقيل وتراجع غير مسبوق.
دول الجزيرة والخليج العربية، علب من سمنت على حافات الرمال، صحت على حقيقة مؤلمة، وهي أنها إذا لم تدفع ثمن الحماية الأمريكية، فإن الأمريكان راحلين عنها، وهم راحلون لامحالة، لأن بلادهم بدأت بالإنهيار!
إيران وعلى الرغم من حصار قاسي لإربعين عاما، إلا أنها تقف الآن متوازنة قوية، يحسب لها العالم الف حساب، وها هي أخيرا مستثمرة للحظة تاريخية نادرة؛ مرغت الأنف الأمريكية بطريقة لم يحسبها أي من منظري الإستراتيجية الأمريكان، وهم الذين كنا نخاف تنظيراتهم المرعبة!
الخلاصة أن أمريكا باتت طبل أجوف، وها هي أزمتها الداخلية تنخرها إقتصاديا ومجتمعيا، ومن المؤكد سنشهد تفككها في وقت قريب، كما توقع صاحب الكف القطيع قرب مطار بغداد، وكما هو مرسوم لها تاريخيا، وفق دورة حياة الدول التي قسمها الفيلسوف العربي إبن خلدون في مقدمته، الى
1أ مرحلة الميلاد والنشأة.
2 - مرحلة الازدهار والتوسع السريع.
3- مرحلة الجمود والعجز عن التطور والابداع والتجديد.
4- مرحلة الانحلال والتدهور الاخلاقي.
5- مرحلة السقوط والانهيار.
أمريكا مرتبكا هذه المراحل، وها نحن شهود على المرحلة ألخيرة، وهنا في العراق؛ عندما أطلقت طائرة الدرون الأمريكية صاروخيها، على السيارة التي تقل الشهيدين قائدي الإنتصار على داعش، في تلك اللحظة شرع التاريخ بإعادة بناء حيثياته، وتشكل مشهد جديد بسيناروهات متعددة، بعض هذه السيناريوهات ينسجم مع إشتراطات العقل، وبعضها الآخر مجرد تهويمات فارغة، فيما بعضها الثالث ليس أكثر من إفتراضات؛ سربت لخدمة أحلام صاحب الدرون الغبي!
السياسي العراقي الوطني المخلص الغيور يجب أن يعي جملة من الحقائق هي:
• أنه إزاء خصم مجرم وليس صديق.
• أن هذا الخصم الذي تورط بالدم العراقي، يريد الخروج من العراق بأقل الخسائر، لأنه يعرف أنه سيُخرَج مشيعا باللعنات، إن لم يَخرُج بثوب الكرامة.
• أن الخصم يبحث عن مغانم وليس عن علاقات متكافئة.
• أن إستراتيجيته بالتفاوض، هي المفاوضات من أجل التفاوض، وهي نفس لإستراتيجية المفاوض الصهيوني مع الفلسطينيين، بمعنى أنه يريد إطالة أمد المفاوضات، لتحقيق مكاسب صغيرة كانت أم كبيرة.
• أن الخصم يروج لوهم نظرية الفراغ الذي سيحدثه خروجه.
• أن الخصم يدعم موقفه بتخريب الداخل العراقي، وأنه يستند الى طابور طويل من الأتباع الذين يشغلهم لحسابه، وما جرى منذ تشرين 2019 لغاية اليوم كشف كل أوراقه المحلية.
• أن هؤلاء الأتباع ليسوا أصحاب مباديء وبالتالي فهم مجرد شوشرة ليس إلا.
• أن العراق متسلح بقرار شعبي برلماني بات؛ بخروج المحتل الأمريكي.
• أن ظهره يستند الى جدار صلب أساسه مثلث القوة العراقي المتمثل بالمرجعية ـ الشعب ـ الحشد، وهو مثلث يفهم الامريكي مقدار قوته ومنعته، وأن هذا المثلث هو وحده الذي يمكنه أن يمنع حصول الفراغ الوهمي الذي يروج له الخصم الأمريكي.
https://telegram.me/buratha