رياض البغدادي ||
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الرحمن :
بسم الله الرحمن الرحيم «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ » صدق الله العلي العظيم
ترى .. لماذا نطمح الى الفوز بالجنة في الآخرة،ولا نطمح ان نفوز بها في الدنيا بالاندفاع والحماس والقوة نفسها ؟ وقبل ذلك يجب ان نعرف هل توجد في الدنيا جنة لنطمح الى الفوز بها ؟
إنْ دققنا في ميزات الجنة الأخروية سنعرف انها ميزات تعكس المخاوف التي نشعر بها في الدنيا وتعبر عنها بشكل كبير ..
نحن في الدنيا نخاف الفقر ولذلك نرغب في الفوز في الآخرة بمكان لا نجوع فيه ولا نعرى، ونخاف الألم، ولذلك نحن نرغب ان نفوز بعيشة ليس فيها ألم الحريق والقطران وسلاسل النيران، ونخاف القلق، قلق الحسرة والندامة ولذلك نريد الفوز برضا الله تعالى، ونخاف الضياع ، لذلك نتخوف من مكان نكون فيه بلا حميم ولا صديق ولا مغيث ولا شفيع ؟؟
طيب ..
اذن مخاوفنا في الدنيا هي التي تحدد ما نريده في الآخرة .. من هنا اود ان اسأل :
ترى !! هل نستطيع ان نصنع جنتنا في الدنيا الخالية من خوف الفقر والألم وخوف القلق والضياع ؟
هل نستطيع ان نوفر لأنفسنا ضمانة في الدنيا من الفقر والألم والقلق والضياع ؟
لو انتبهنا لأنفسنا قليلاً سنجد أننا لو عملنا على بناء جنتنا في الدنيا، سيكون ذلك بمثابة عملنا نفسه في بناء جنتنا في الآخرة ..
كيف
اولاً وقبل كل شيء يجب ان نعتقد اعتقاداً راسخاً، بالتسليم والرضا، بأننا لا نستطيع خلق شيء لأنفسنا من دون إعانة الله تعالى، ووقوفه معنا ..
ثم بعد ذلك نرفع الفقر عن أنفسنا، بأن نرضى بباب الرزق الذي فتحه الله لنا، ونشكر الله عليه بما نتوقعه من شكر مؤمن، مورده اليومي مليون دولار مثلاً .. يجب ان نشكر الله رزق القوت اليومي، وكأننا نملك أطراف الدنيا وكنوزها .. هذا الشكر سيجعل النعمة تدوم وتزيد وتكثر، فنرفع بذلك عن أنفسنا خوف الفقر، وعملنا من أجل ذلك سنؤجر عليه، وسيكون بمثابة توفير جزء من أسباب بناء، لضلع من أضلاع جنتنا الأخروية ..
ثم بعد ذلك نسعى ان لا نخالف الله في مأكلنا ومشربنا، فلا نأكل الا الحلال، ولا نقترب الا من الحلال، ليهنأ عيشنا وتدوم صحتنا، ونرفق ذلك بالشكر الدائم على نعمة العافية، وبذلك سنضمن دوام العافية والصحة، فبالشكر تدوم النِعَم وهذا بمثابة بناء ضلع آخر من أضلاع جنتنا الأخروية ، وهو ذاته جزء مهم من جنتنا الدنيوية ..
ثم بعد ذلك نسعى الى رفع القلق الذي يعكر مسيرتنا في الحياة، فنعمل على صنع علاقات متوازنة مع الناس، لا يشوبها قلق الحسد، ولا قلق الحقد، ولا قلق الكراهية، ونبدأ بأصغر حلقه في حياتنا، وهي حلقة العائلة، فنجعل أنفسنا فيها ترتع ببحبوحة عيشٍ هانئ، عندما نملؤها بالحب والسعادة والألفة، فلا ضوضاء الجدل، ولا التهديد بالطلاق، ولا انعدام ثقة، يعكر هذا الجو العائلي، فنوفر بذلك لأنفسنا وأهلينا أجواءً تملؤها الرحمة والثقة والصدق، فيكون ذلك سبباً الى القرب من الله، والعبادة الخالصة، ونشر أسباب الايمان في الجو الأسري، وهذا سيكون بمثابة بناء ضلع آخر من أضلاع جنتنا الأخروية، بالرغم من انه ذاته، جزء مهم من جنتنا الدنيوية، التي نعمل نحن بأنفسنا على صنعها، ونتحمل مشقة بنائها ..
فإذا استقمنا ونجحنا في بناء حياة مُحكمة، لا يتخللها خوف الفقر ولا خوف الألم ولا خوف القلق، فكيف لا نضمن الاستقرار ونبدد شبح الضياع، الذي نخافه على دنيانا وآخرتنا ؟
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الاحقاف " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " في هذه الآية المباركة قرن الله تعالى ذهاب الخوف بالاستقامة في الدنيا، وهذا يؤكد ان بناء جنتنا في الدنيا هو ذاته الجهد لبناء جنتنا في الآخرة ؟!!
ولو تدبرنا القرآن سنجده كله بأجمعه، يؤكد ما ذهبنا اليه في هذه النفحة القرآنية .. اللهم ارزقنا الجنة وابعد عنا شبح النيران ببركة ولائنا لمحمد وآله الأطهار ..