محمد عبد الجبار الشبوط ||
ينبغي اعطاء تحديد اكثر دقة لمصطلحي الفائزون والخاسرون في الانتخابات النيابية الاخيرة.
الفائز هو المرشح الذي استطاع الوصول الى مجلس النواب
الخاسر هى المرشح الذي لم يتمكن من الوصول الى مجلس النواب.
اغلب المرشحين الفائزين ينتمون الى احزاب. وهنا تأتي المرحلة الثانية من حسابات الربح والخسارة. كل حزب زاد عدد نوابه فهو فائز، وكل حزب نقص عدد نوابه فهو خاسر.
اما الحزب الذي يصل الى البرلمان لاول مرة فهو حزب فائز مهما كان عدد نوابه.
في المرحلة الثالثة نطبق هذه القياسات على النتائج الفعلية. ماذا نجد؟ الاحزاب الاسلامية التقليدية، مثل حزب الدعوة وتيار الحكمة والفتح وغيرها، خسرت الكثير من مقاعدها، فهي خاسرة. بينما التيار الصدري زاد عدد نوابه فهو حزب فائز. وهذه كلها معان نسبية للفوز والخسارة.
الا ان المعيار الموضوعي شيء اخر. فعلى سبيل المثال يضع القران الكريم معيارا للربح والخسارة بقوله: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا؟ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا". فهنا لدينا اعمال، لكنها ضاعت وضلّت. وهذا ينطبق على "اعمال" الاحزاب السياسية التي تضيع، بمعنى التي لا تحقق اهدافها، فيفقد صاحبها شرعية الانجاز. وضياع الاعمال عدم نجاحها في تحقيق ما اعلنت انها بصدد تحقيقه. وهذا التعريف ينطبق على اعمال الاحزاب العلمانية والاسلامية، على الاقل الرئيسية منها، منذ عام ١٩٥٨ الى اليوم. الحزب الشيوعي رفع شعار "وطن حر وشعب سعيد". ولم يتحقق هذا الشعار الى ان سقطت الشيوعية الماركسية اللينينية عالميا. حزب البعث اعلن منذ اليوم الاول لتأسيسه شعار الوحدة والحرية والاشتراكية، واستولى على السلطة من عام ١٩٦٨ الى عام ٢٠٠٣، ولم يتحقق اي من مفردات هذا الشعار. والاحزاب الاسلامية، وبخاصة حزب الدعوة الاسلامية، اعلنت ان هدفها هو اقامة الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة الاسلامية. ولا دولة قامت ولا شريعة طبقت. بهذا المعنى فان كل الاحزاب العلمانية والاسلامية خاسرة، ليست خسارة الارقام في الانتخابات، وانما خسارة الاعمال، فقد "ضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا". والمواطن العادي يريد ان يرى نتائج الاعمال في الحياة الدنيا. والمواطن العراقي لم يرَ نتائج مرضية لاعمال الشيوعيين والبعثيين والاسلاميين منذ عام ١٩٥٨ الى اليوم، لذلك ضنّ باصواته عليهم. قد لا يكون العيب في الفكرة الشيوعية والفكرة البعثية والفكرة الاسلامية، نقول هذا جدلا، لكن العيب بالتاكيد، وبحده الادنى، موجود في الشيوعيين والبعثيين والاسلاميين. هذا الامر، بحديه، يدفعنا الى التفكير بطريق اخر. واهم شرط بالطريق الاخر انه قادر على تحقيق الحد الادنى من طموحات الناس، وهو الامر الذي غازله القران وهو يدعو الناس الى الاستجابة للرسول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"، ووضع قيد في اية اخرى تقول:"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً". اذاً المطلوب هو اقامة الحياة الطيبة، هذا هو الهدف وهذا هو القيد، وهذا هو ما يريده الناس. بعد الفشل الثلاثي (الشيوعي-البعثي-الاسلامي)، فاني هنا اطرح طريقا مقترحا اخر، هو الطريق الحضاري. وخلاصة الطريق الحضاري، انه بدل الانشغال بالايديولوجية، دينية كانت ام علمانية، تعالوا ننشغل بالمركب الحضاري، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، ونحركه وفق منظومة قيم حضارية عليا قادرة على تحريك هذه العناصر بما يحقق "الحياة الطيبة" للناس. ومنظومة القيم العليا هي ما يتفق عليه عقلاء الناس، بما هم بشر، وبغض النظر عن مصادر انتزاع هذه القيم. وهدف هذا الطريق الحضاري هو: الدولة الحضارية الحديثة، بوصفها الدولة القادرة على توفير الحياة الطيبة للناس من خلال المركب الحضاري في مجتمعهم.
صديق اسلامي عتيق قال لي ردا على هذه الفكرة "انك بهذا تخسر الاسلاميين ولا تربح العلمانيين". وردي عليه: انني لا اريد ان اربح او اخسر الخاسرين، لكني بالتأكيد اريد ان اربح المواطنين المتطلعين الى حياة طيبة ستوفرها لهم الدولة الحضارية الحديثة.