نعمه العبادي ||
يحيي شيعة أهل البيت عليهم السلام وعموم العالم الاسلامي المنصف (اليوم الجمعة) ذكرى شهادة الأمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام، والتي توافق الثامن من شهر ربيع الاول سنة ٢٦٠ هجرية، حيث استشهد الأمام وعمره (٢٦) سنة، قضى منها (٢٠) سنة في ظل أمامة والده الامام الهادي عليه السلام و(٦) سنوات كانت مدة أمامته، وكانت شهادته متزامنة مع فترة حكم المعتمد العباسي في مدينة سامراء، وتمثل مرحلة إمامته وشهادته وجميع الملابسات التي رافقتها أخطر وأهم المراحل في حياة اهل البيت وعموم حياة الشيعة إلى يومنا هذا، ولأن مستقبل الشيعة بعد شهادة الامام الى آخر الدنيا، أرتبط بشكل جوهري وصميمي بتلك الفترة، لذا توجب الوقوف عند الأمور المهمة التي تشكل نحو من الترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأعرض لها بأختصار في الآتي:
١- على الرغم من ان العداء لأهل البيت ومنابذتهم لم يختلف في كل المراحل التي عاصرت سلسلتهم الذهبية، إبتداء من الامام علي وحتى الامام المهدي إلا ان مداخل وشكل وفلسفة هذا العداء اختلفت من مرحلة إلى مرحلة أخرى، فيمكن القول ان مرحلة الصراع مع الامام علي والحسن، أديرت تحت عنوان (صراع الاحقية)، وأما الفترة الأموية فكان الصراع يدار تحت عنوان (المعارضة السياسية غير المشروعة/ المواجهة العسكرية)، وأما المرحلة العباسية، فقد أدير الصراع تحت عنوان (الشرعية)، لذا فإن عنوان الأمامة كان منظورا بقوة في المرحلة العباسية، وقد توجهت اساليب المواجهة إلى ذات العنوان وليس إلا شخص الامام، الامر الذي انتج شكلين من المواجهة مع خط اهل البيت، الشكل الاول والذي تمثل في خلق خطوط انحراف وتشظي ضمن اطار المنظومة العامة للفكر الشيعي، وقد بدأت هذه الاشكال منذ زمن الامام الكاظم عليه السلام، والخط الثاني تمثل في المحاصرة المنظمة لحركة الامامة التي كان من مظاهرها إشخاص الامام الرضا إلى خراسان والاماميين العسكريين الى سامراء.
٢- مثلت مصيبة الحسين عليه السلام واهل بيته الرزية الاكبر والاعظم في حياة اهل البيت عليهم السلام، وقد اطبقت الكلمة على انه لا مصيبة اعظم من مصيبة قتل الحسين إلا ان شكل العداء في المرحلة العباسية الذي استهدف ذات الامامة أخذ خطاً خطيرا، الامر الذي انتهى بضرورة الغيبة للامام الثاني عشر بحيث لم يعد الفضاء يتسع حتى لوجوده بنفس صيغة وشكل وجود آبائه، فضلا عن شهادة آخر ثلاثة أئمة بعمر مبكر، ومع ان فلسفة الغيبة وضرورتها تتحمل اكثر من رؤية وقول، وقد بسطنا الحديث عنها في مناسبات سابقة إلا ان مؤشر تنامي العداء للإمامة كعنوان أصيل في الرؤية الدينية كان في اخطر لحظات استهدافه، والذي برر منهج الغيبة، بل تطلبها.
٣- لقد فرضت المرحلة المتشددة من العداء لعنوان الامامة منهجا خاصا من التعامل بين الامام والأمة، وهو سياق فرضته الظروف القاسية آنذاك، وتمثل هذا المنهج بإعتماد آلية التواصل عبر منافذ خاصة من حماة السر والأكفاء في هذا المجال، واستخدام الاسلوب الرمزي في الاشارة الى امور حساسة وخطيرة تتعلق بحياة الامام المهدي وبمهمته وغيبته والوكلاء، وكيفية ادارة الامور بغيبته، ووجوده العام، ومكانته بين الامة، ومنهج التشيع خلال هذه المرحلة، وشكل العلاقة مع السلطات، وارهاصات الظهور والفرج، ودولة العدل، وقد تسبب هذا المنهج بحكم طبيعته اي (اعتماد الخاصة والتصريح الرمزي) إلى خلق فتنة الابواب ومدعي الوكالة والنيابة من جهة، واعطى الضوء عبر باب مفتوح من الاجتهاد والتأويل في كل الموضوعات التي اشرنا إليها، الامر انتج وينتج لنا هذا التشطي المستمر والالتباس الدائم، وتحت مظلته ظهرت الفرق والطوائف والاتجاهات.
قد يقول مستشكل إذا كانت كل هذه الاخطار والتداعيات والتحديات ظهرت على اثر هذا المنهج، فلماذا تم اتباعه؟ والجواب الموجز، لا مناص ولا خيار منطقيا وعقليا غيره، ففي ظل حصار وتضييق واخذ على التهمة وظروف معقدة، لا خيار إلا البوابات الخاصة واللغة الرمزية.
٤- في طول النقطة اعلاه، توسع استخدام هذا المنهج بشكل مبالغ فيه، حتى مع تبدل ظروفه والحاجة إليه، واصبح مرجعية منتقاة يلوذ بها كل اتجاه يريد تسويق نفسه بشكل يخدم مصالحه ومحاط بدرع القدسية والحصانة في ذات الوقت، الامر الذي جعل المعظم يوسم اي مراجعة نقدية او مواقف تصحيحية فضلا عن كشف المستور بالكفر والزندقة والمروق وبكافة تهم الانحراف التي تحرض الرأي العام على صاحب الموقف الناقد وتبيح دمه.
٥- انعكست الاستنباطات المختلفة، والقراءات المتعددة، وتضارب الرغبات والاهواء والمنافع، في توظيف متعدد، انتج نماذج مختلف يدعي كل منها حقيقة حصرية وشرعية خلاصية وينفي الآخرين جملة وتفصيلا.
٦- من الخطير جدا ما يجري في أزمنتنا المتأخرة من دس الاجتهاد السياسي والمشارب الحزبية في الصيغة العقائدية والفكرية لتشيع مدعى، بحيث دمجت تلك الصياغات في مضمونه، واصبحت تقدم على شكل صبغة مدعاة لمنهج اهل البيت عليهم السلام، ولهذا ( وفي آخر نسخة) والتي يجري الحديث عنها (هذه الايام) من تبني وراث هذه المرجعية أو هذا الخط وتلك المرجعية أو ذاك الخط في عملية توظيف تنافسي لمستويين من الامتيازات، الاول يشتغل على العنوان الشيعي العام، والثاني يستأثر بخصوص العنوان المرجعي الخاص الذي ينتمي إليه، وهو ما يأخذ الامور إلى منزلق خطير جدا.
٧- العراق هو منبت التشيع ومحله وموطنه وبيته وبيئته الاهم، وان أية صياغة غير صيغة الدولة الوطنية القائمة على المصالح الحقيقية لأبناء العراق بمختلف تنوعهم، والتي تتنفس روح الايمان وحب التشيع وإصالة المنبع والتكوين، هي الخيار الاوحد الذي يتوائم بشكل تام مع رؤية التشيع الحقيقي، شريطة ان تكون هذه الصيغة بعيدة تماما عن الارتباط والتبعية لأي صيغة سياسية عالمية اخرى، وان يكون الاستقلال وسيادة الرأي والقرار حقيقة عميقة متجذرة في المنهج والمؤسسات وسلوك القادة، والذي يحفظ ويرعى في ذات الوقت توجهات كل المكونات بشكل منصف ومرضي.