محمد عبد الجبار الشبوط ||
كغيرها من المسائل السياسية الجديدة في عالم الثقافة العراقية، تحتاج طريقة الانتخاب الفردي الى المزيد من التوضيحات. واجد من مسؤوليتي الثقافية ان اسهم بدرجة كبيرة بهذا التوضيح، لاني كنت من اوائل الدعاة الى الانتخاب الفردي والتخلص من طريقة الانتخاب بالقطيع والاقطاعيات السياسية.
توهم بعض الناس ان الانتخاب الفردي يعني ان يكون المرشح مستقلا، اي غير منتمٍ الى حزب. وهذه اعتقاد خاطيء. فليس هناك ملازمة بين الاستقلالية والانتخاب الفردي. كل ما يعنيه الانتخاب الفردي هو ان يكون الترشيح فرديا، اي ان الشخص يرشح لنفسه ولوحده وليس ضمن قائمة، كما يعني ان الناخب يعطي صوته لمرشح واحد فقط وليس لقائمة تضم عددا كبيرا من الاشخاص. وهذا يستدعي ايضا ان يتم تقسيم البلد الى عدد من الدوائر مساوٍ لعدد النواب، واخيرا يفوز بالمقعد النيابي المرشح الذي يحصل على اعلى الاصوات في دائرته الانتخابية الفردية. وليس لهذه النقاط اية علاقة بين المرشح وصفة الاستقلالية. ولهذا جرت العادة في الدول الحضارية الحديثة، مثل بريطانيا، ان يتنافس عدد محدود من الاحزاب على المقاعد البرلمانية، لكن اعضاء هذه الاحزاب يرشحون بشكل فردي، وليس على اساس القائمة، لان الدوائر الانتخابية فردية وبنفس عدد اعضاء البرلمان (مجلس العموم). ولهذا لا يوجد مرشحون كثيرون في الدائرة الواحدة. وغالبا ما يكون عدد المرشحين في بريطانيا اربعة مرشحين او اكثر قليلا.
هذه نقطة. والنقطة الثانية التي اخطأ فيها بعض الناس في العراق انهم لم يميزوا بين الحزبية بوصفها احدى اليات العمل السياسي في الدولة الديمقراطية، وبين الاحزاب العراقية الموجودة والماسكة بالسلطة. ولما كان هؤلاء الناس غير راضين عن اداء هذه الاحزاب، بل هم غاضبون عليها، فانهم صبوا غضبهم على الاحزاب كمصاديق وعلى الحزبية كمفهوم. وهذا خطأ فاضح. يستطيع الناس ان يغضبوا على الاحزاب الحاكمة، وان لا يمنحوها اصواتهم، لكن ليس من الصحيح ان يرفضوا الحزبية؛ انما كان على الغاضبين ان يؤسسوا احزابا جديدة او حزبا واحدا فقط يكون اطارا انتخابيا جامعا وموحدا لكل الغاضبين.
وهنا اخطأ الغاضبون للمرة الثالثة وذلك حين تسابقوا لتشكيل عشرات الاحزاب الشخصية او المناطقية، وهم بهذا اعادوا انتاج نفس الخطأ الذي وقعت فيه احزاب السلطة.
الان، وقد حصل ما حصل ولم يعد هناك مجال للتراجع خلال هذه الايام، فما العمل؟ ماذا يتعين على المرشحين "المستقلين" او المنتمين الى الاحزاب الجديدة الصغيرة جدا او المجهرية ان يقوموا به بعد فوزهم بالمقعد النيابي؟
والجواب الوحيد والسريع هو:
ان عليهم جميعا، وفور اعلان النتائج، وقبل انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب، ان يسارعوا الى تشكيل كتلة برلمانية واحدة تجمعهم كلهم بما في ذلك نواب الاحزاب الصغيرة التي فازت بمقعد واحد او مقعدين وحتى ١٠ مقاعد، ليتحولوا، على الاقل، الى كتلة متوسطة الحزب، لان امكانية تشكيل كتلة الاغلبية (نصف اعضاء البرلمان زائد واحد) او كتلة كبيرة مازالت غير مؤكدة في الانتخابات الحالية. بهذه الطريقة سيكون لهذه المجموعة من النواب صوت مسموع وقدرة على التأثير في اعمال البرلمان.
اما اذا اصر هؤلاء النواب على "استقلاليتهم" الشخصية، او احزابهم الصغيرة فسوف يبقون اسماء في مجلس للنواب يستطيعون ان يصرخوا ويرفعوا صوتهم عاليا دون ان يكون لهم تأثير حقيقي ملموس في التشريعات والرقابة والتصويت. سوف يبقون كائنات صغيرة لا ترى بالعين المجردة، ان حضروا لم يؤثروا وان غابوا لم يفتقدوا. وستكون الاصوات التي حصلوا عليها "كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ"!
https://telegram.me/buratha