انتفاضة صفر قبس من النهضة الحسينية
د. عطور الموسوي ||
بعد أقل من عشرة أعوام على حكم البعث الاسود، عمد على منع مسيرة الزيارة الاربعينية السنوية تمسك بها العراقيون عامة والنجفيون خاصة، فاصدر قرارا بمنع أهالي النجف وبطريقتهم البوليسية القسرية، واجه أهالي النجف قرار المنع هذا بتعليق لافتات في شوارع وأزقة النجف تدعو الاهالي الى المشاركة في المسير للزيارة، واجهتها السلطة القمعية باعتقال عدد من الشباب إنذارا وتحذيرا، أصر الزائرون على تأدية شعيرتهم السنوية .
الخامس عشر من صفر 1379عام الموافق 4 شباط 1977، خرجت ضحى ذلك اليوم جموع غفيرة أكثر من كل عام من مناطق النجف وهي تجوب شوارعها باتجاه كربلاء وهم يرددون أهازيج " اهل النجف يا امجاد راياتكم رفعوها" و " اسلامنا ما ننساه ايسوا يا بعثية" وساروا كتلة بشرية رافعين رايات نصر من الله وفتح قريب، ولبيك يا حسين، وقلوبهم تخفق بحب الحسين .
حاولت مفارز الامن منعهم من التقدم لكنهم استمروا ووصلوا منطقة خان الربع فباتوا ليلتهم وتولت مجاميع شبابية منهم مهمة الحراسة فلا مأمن من مكر البعثيين، وعند الصباح واصلت الجموع مسيرتها آمة قبلة الأحرار، وعند وصولهم الى خان النص واجههم الجيش باجراء جبان استهدف مؤخرة المسيرة باطلاق النار وسقط أول شهيد هو الشاب الحسيني السيد محمد الميالي، فانتفض الشباب واتجهوا الى مراكز الشرطة وفر الجنود بينما التحقت قبائل باكملها من أهالي المنطقة والمناطق المحيطة بها وهم يرددون :" أسمع العباس نادى ياهلا بهاي الضيوف .. شلون أدي هلتحية وآني مكطوع الجفوف"، وكلما تقدموا انضم لهم عدد جديد ورددت المسيرة " صدام گله للبكر.. ترى حسين منعوفه " رئيس العراق آنذاك احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين والاخيرهو الرئيس الفعلي وكان في طور الاعداد لاستلام السلطة وهو الاكثر ذلا وعمالة لاسياده.
ارسلت السلطة البعثية أحد خدمة الروضة الحيدرية لتدارك الموقف وثني عزمهم عن مواصلة المسير، لكنه خاب وعاد ادراجه الى النجف، في الاثناء دعمت المرجعية الدينية هذه المسيرة متمثلة بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي وجه السيد محمد باقر الحكيم ان يشارك معهم ويعزز معنوياتهم.
وصلوا مشارف كربلاء يوم 19 صفر ليلة الاربعين، وهنا ارسلت السلطة البعثية اللواء المدرع العاشر الى مدخل كربلاء لمنعهم فوجد الزوار دبابات تنتظرهم وسيارات مصفحة وعدد كبير من الجيش والشرطة متأهبين لاطلاق النار مع غطاء جوي، فتمت مداهمة المسيرة واعتقلوا اعدادا كبيرة منهم بينما تمكن عدد آخر من الدخول الى كربلاء عبر طرق فرعية ووصلوا الى العتبة الحسينية والعباسية، لكن مرتزقة السلطة البعثية أشاعوا وجود قنبلة موقوتة داخل الروضة الحسينية مما ولد رعبا في نفوس جموع الزائرين وتمكنت من اعتقال اعدادا كبيرة من الشباب وزجهم في المعتقلات ومن ضمنهم السيد محمد باقر الحكيم، أعلنت الحوزة الى إضراب في الحوزة العلمية أعلنه السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
كشرت عصابة البعث عن أنيابها فاجتمعت ما سميت باللجنة العليا للجبهة الوطنية والقومية برئاسة صدام حسين ثم انتهت إلى "أنّ الأحداث الأخيرة في 6 و7 شباط بالنجف هي أعمال تخريبية ومن صنع الدوائر الاستعمارية والرجعيّة الحاقدة على مسيرة الثورة ومكتسباتها الديمقراطية والتقدمية".
وبعد أن تعرض المعتقلون إلى التعذيب القاسي، جرت في 23 شباط 1977م محاكمة صورية للمئات من رموز الانتفاضة أعلنت عنهم السلطة 110 أشخاص استمرت أربع ساعات، وصدرت الأحكام ضدهم في 25 شباط بالإعدام لثمانية من قادة الانتفاضة ومحركيها، وهم: جاسم صادق الإيرواني، يوسف ستار الأسدي، محمد سعيد البلاغي، ناجح محمد كريم، صاحب رحيم أبو كلل، عباس هادي عجينة، كامل ناجي مالو، غازي جودي خوير، والسيد محمد الميالي قد استشهد رميا بالرصاص واوصى رفاقه المنتفضين أن يوصلوا قميصه المدّمى الى ضريح العباس، ووفى هؤلاء المؤمنون.
كما حكمت على ستة عشر آخرين بالسجن المؤبد، بينهم السيد محمد باقر الحكيم، وقتل بعض المعتقلين تحت التعذيب أو في داخل الزنزانات، نعم كانت الأحكام معدّة سلفاً في مجلس قيادة الثورة ، ومن قبل نائب الرئيس صدام حسين بالتحديد فهو الوجه الأقبح في تلك العصابة المجرمة.
لا ينبغي أن تمر ذكرى هذا الانتفاضة دون احيائها فهي نهضة عراقية واعية شجاعة سجلت بصمة في تاريخ مقارعة الطغاة ، وبينت مدى الاقصاء والقمع الفكري وتقييد حرية التعبيرعن الرأي والاستهانة بالدم العراقي التي اتسم بها حكم البعث، ونحمد الله ونشكره أن ازال عن صدور أبناء شعبنا كابوس البعث المجرم وصرنا نحيي الزيارة الاربعينية احياءا يليق بها حيث تزحف فيه الملايين العاشقة للحسين وتصبح كربلاء قطبا تتمحور حوله ونتزود من معين النهضة الحسينية جميعا دون أن تحدنا فروقات عرقية وقومية وطبقية كل يتواجد بعنوان زائر للحسين عليه السلام.
27 أيلول 2021
19 صفر 1443
https://telegram.me/buratha