د. عطور الموسوي ||
بعد أن انتصرت مولاتنا زينب على يزيد في عقر داره وأمام الملأ بنسف كل مخططاته النزقة وتحويل خربة الشام الى منبر اعلامي يبث الوعي للناس يقض مضجعه ، وخلق رأي عام جديد تمحور عن قناعة ببطلان افتراءات يزيد وكذب ادعاءاته بأنهم خوارج، وبعد أن صارت الخربة مركزا إعلاميا مضادا للانحراف الأموي، صار الطاغية أمام خيار لا ثاني له الا وهو إبعادهم من دمشق.
لم يطق يزيد مزيدا من الهزائم المتتالية وهو الزاعم بالانتصار، فأمر بإرجاعهم الى المدينة، لم يمكثوا سوى أياما معدودة وخاصة بعد استشهاد الطفلة رقية وما آلت قضيتها الى مواطن سخط ممن سمع بها وعلم بمظلوميتها رضوان الله عليها، فسار ضعنهم متجها الى الديار مرورا بكربلاء حيث دفنت أجساد الشهداء مضمّخة بالدماء، حضروا أرض الطفوف يوم الأربعين والتقوا بالصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري.
ولنرحل بأرواحنا اليهم وهم يسيرون وقد ألمت بهم كل نائبة من نوائب الدهر، قتلوا رجالهم وفتيانهم وحتى رضيعهم وسبوهم أسارى تسير بهم هزيل النياق دون فرش او وطاء ليعرضوا على طاغية عصرهم الدنيء الذي قال عنه امامهم الحسين : " مثلي لا يبايع مثله"، فلا نتوقع أن يصدر منه الا كل ما يليق به فالإناء ينضح ما فيه، وقد أظهر مرتزقته بسلوكياتهم الهمجية حقيقته قبل أن تراه بنات النبوة .
تسير النياق ويبتعدون عن مثوى رقية المظلومة الغريبة المقتولة قهرا وصبرا وقلوبهم تزداد اكتواءً، وكلما تقدموا باتجاه كربلاء الشهادة تذوب تلك القلوب الطاهرة بين الشوق لوجوه الأحبة والاسى على ما جرى على تلك الارض من تقطيع لأشلاء الشهداء بسيوف ورماح وحزّ لرؤوسهم الشريفة وفيض دمائهم روّت أرضها وأحالتها الى بقعة مقدسة، يحثون الخطى ودموع الأعين سكّابة، بكاءٌ صامتٌ صابرٌ أبيٌ يكظم حزنه عن أعين الشامتين، وما أصعب أن يكتم المرء شهقات قلب نازف على فقد رجال ما جاد الزمان بمثلهم، قتلهم أراذل الخلق وليسوا نظراء لهم بالنسب والشجاعة، أبت بنات الرسالة أن تظهر أي نوع من الجزع أو الاعتراض على ما جرى عليهم فهو في عين الله وهو الذي يتقبل من الصالحين، وآثرن تجرع غصص الكروب المرة على شماتة الاعداء.
إنها نشأة النبوة وتربية الإمامة توارثتها هذه الشجرة الطيبة وعلى مر الزمان وتداول الدهور ظل الطيبون يتوارثون الفضائل منها، بينما توارث سليلو الشجرة الخبيثة كل رذيلة وكل بعد عن سمات الانسانية، وصار ماثلا للعيان مشهد أعظم الجهاد يجسده الأخيار مهما طغى الطغاة وتسلحوا بكل وسائل القمع والترهيب.
تستمر المسيرة الى أرض الشهادة، وكما كانت منبر وعي وبصيرة في كل محطة منها صارت سنة للعاشقين سنوها، وعزاءا لكل ذي مصاب يتعزى بهم فما زالت تلك المواقف يتأسى بها الموالون المخلصون، وما زالت كلمة الحسن المجتبى عليه السلام ترن في الآفاق وعبر العصور : " لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ".
منذ لحظة توجه الحسين عليه السلام وركبه من مكة حدثت مواقف فريدة من نوعها وصارت قاموسا في القيم النبيلة ومعيارا لخليفة الله في أرضه، فمن ينتمي لمدرسة الحسين لابد أن يحمل تلك القيم ولا بد أن يسلك ذات السلوك، الحسينيُ ليس عملة ذات وجهين كما نرى في أيامنا هذه، الحسينيُ لا يحمل هذه الصفة إن أخل بقيمة من قيم الإباء وقيم الكرامة التي جسدها الحسين وأنصاره .
نعم ليس حسينيا من يوالي أعداء الاسلام .
ليس حسينيا من يثري على حساب الوطن.
ليس حسينيا من يسرق قوت الشعب.
ليس حسينيا من يسيء الى المذهب.
ليس حسينيا من لا يرعى ذمة في عيال الله .
ليس حسينيا من يقول ما لا يفعل .
وتطول قائمة النفي في واقع نعيشه اليوم وقد أساء بعض من يدعي انتماءه لتلك المدرسة الجهادية وانعكست سلوكياته أمثلة سيئة.. عليه وزرها الى يوم القيامة.
وتستمر حكايات زينب حتى وصولها مدينة جدّها صلوات الله عليه ..
26 أيلول 2021
17 صفر 1443