السيد محمد الطالقاني ||
في الوقت الذي ضيّع فيه صدام المقبور واتباعه كل الحقائق على الجيل الجديد . كان لزاما علينا أن نسجل للتاريخ شيئا ما شاهدناه في من تلك الحقائق لترويها الاجيال جيلا بعد جيل.
ونحن اليوم نعيش ذكرى انتفاضة صفر عام 1977 , وهي انتفاضة شعب حسيني ثائر بوجه نظام يزيدي كافر, حينما انطلقت الامة شاهرة سيوفها بوجه الحكم العفلقي الاستبدادي الجائر متجاهلين ذواتهم ومصالحهم ومتخلين عن أهوائهم وشهواتهم, هدفهم إعلاء كلمة الله واحقاق الحق .
فبدأت المواجهة الكبرى مع النظام البعثي الكافر حين تحدّت الجماهير الحسينية الطائرات والدبابات والحديد والنار, بدروع بشرية ليعلنوا بداية انتفاضة حسينية اسلامية كبرى في صفر عام 1977.
لقد قام الشباب الحسيني بحملة إعلامية كبيرة على مستوى محافظة النجف الاشرف خصوصا وعلى مستوى المدن الشيعية الاخرى عموما بالاعداد لتلك الانتفاضة المباركة .
فاخذت المجاميع الحسينية تعقد لقاءات يومية في مجلس عزاء حسيني كان قد اقيم في تلك الفترة الحساسة في بيت أحد وجهاء مدينة النجف الاشرف وثقة المراجع ( المرحوم السيد جابر الصائغ) حيث تم تهيئة أعلام صغيرة خضراء اللون كتب عليها (نصر من الله وفتح قريب),وتقرر أن تكون ساعة الصفر للمسيرة الكبرى في الساعة الحادية عشر من صباح الخامس عشر من شهر صفر.
بدء مسيرة التحدي..
في يوم الخامس عشر من شهر صفر استدعى محافظ النجف المجرم جاسم الركابي أصحاب المواكب التي كانت متهيأه للمسير وابلغهم بعدم الخروج هذه السنة للزيارة لوجود خطر امني على الزائرين.
لكن أنصار سيد الشهداء عليه السلام لم يهدأ لهم بال واشتدت لهجة الحديث فأخذ المحافظ الكافر يهدد باتخاذ إجراءات قمعية بحق كل من يخالف قرار اسياده .
عندئذ لم تحتمل الجماهير الحسينية كلام هذا المجرم فقام اليه الشهيد عباس عجينة ووقف متحديا بقوله :
(ان المسيرة سوف تخرج غدا, وفي موعدها المقرر وليحصل مايحصل), ثم انفضّ الاجتماع.
صرخة الثائرين..
يوم السادس عشر من صفر كان يوماً حافلاً، حين خرجت مسيرة راجلة لضريح الإمام علي عليه السلام متجهة إلى كربلاء فاغلقت النجف الأشرف محلاتها ومدارسها والتحقت الجماهير المؤمنة جميعها بالمسيرة إلى كربلاء المقدسة، وكانت دوريات الشرطة والامن تلاحقهم على الشارع العام وهي تهددهم وتامرهم بالرجوع إلى النجف الأشرف ،إلا أن الحشود لم تكترث إلى تهديداتهم وبقيت تواصل سيرها إلى كربلاء المقدسة حتى وصلوا أول محطة وهي منطقة خان المصلى الذي قضوا فيه ليلتهم وقد كانت هناك مجاميع خاصة لحراستهم من الزوار والثوار.
ثم خرجت الجماهير الحسينية من منطقة خان المصلى صباحا تتقدمهم راية كتب عليها (يد الله فوق ايديهم) وهنا في الطريق حصل اشتباك بالايدي والحجارة بين الثوار والزوار من جهة وبين قوات النظام المقبور من جهة اخرى الذين انهزموا رغم تفوقهم بالعدة والسلاح .
وقبل ان تصل الجماهير الحسينية إلى منطقة خان النص حصل اشتباك مع معاون مدير امن النجف الذي تعرض للضرب بالحجارة من قبل الزوار وفر مرعوبا من صرخات الله اكبر، وابد والله ماننسى حسيناه وغيرها من الشعارات التي ترهب اعداء الله.
وهنا صل مبعوث الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وهو الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه إلى منطقة خان النص وابلغهم بانه مبعوث المرجعية الدينية اليهم لمساندتهم والوقوف إلى جنبهم, وهنا ارتفعت همة الابطال والثوار , فقالت الجماهير الحسينية الثائرة نحن قررنا ان نصل إلى الحسين او نموت في الطريق فقال لهم السيد الحكيم وانا معكم ايضا.
المواجهة الكبرى..
وفي السابع عشر من شهر صفر تحركت المسيرة من منطقة خان النص باتجاه كربلاء المقدسة والجموع تردد الاهازيج المختلفة والحماسية، وبعد ابتعادها عن المنطقة قامت مجاميع من قوات الامن بالهجوم على مؤخرة المسيرة وإطلاق النار عليها مما أدى إلى سقوط أول شهيد في الانتفاضة وهو محمد الميالي، الامر الذي أدى إلى تحرك مئات الشباب الغاضبين إلى مراكز الشرطة القريبة والهجوم عليها وتدميرها واخذت جموع كبيرة بالالتحاق بالمسيرة من النجف الأشرف وبعض المناطق القريبة من كربلاء المقدسة، حتى وصلت المسيرة إلى منطقة خان النخيلة حيث تقرر الاستراحة والمبيت فيه إلى صباح اليوم التالي، وقد التحقت القبائل المحيطة بالمنطقة بالمسيرة بعد أن اتجه العشرات اليهم لدعوتهم للمشاركة حيث جاء الالاف إلى المنطقة وهم يرددون اهازيج عراقية مختلفة منها (أسمع العباس ناده ياهلّه بهاي الضيوف….إشلون أأدي هل تحيه واني مكطوع الجفوف).
التحدي الكبير...
وفي التاسع عشر من شهر صفر وصلت الجماهير الحسينية الغاضبة الى مشارف مدينة الثوار وقبلة الاحرار كربلاء المقدسة, وهنا تصاعد غضب الحكم البعثي عليهم, فقام بارسال اللواء المدرع العاشر إلى طريق كربلاء لاعتراض المسيرة حتى وصل الامر إلى إرسال طائرات ميغ23 إلى المدينة وإعطاءها الامر بإطلاق النار ان استدعى الوضع، وبعد وصول المسيرة إلى مشارف كربلاء المقدسة كانت في استقبالهم مجموعة من الدبابات والسيارات المصفحة وسيارات الشرطة ومئات المسلّحين وهم يتاهبون لإطلاق النار ومنع تقدم الجموع إلى المدينة، فتقدم لهم الشهيد يوسف الاسدي وقال لهم سوف نذهب للامام الحسين عليه السلام رغما على انوفكم فالقوا القبض عليه واعتقلوه واخذوه إلى بغداد .
كما قامت هذه القوات بالقاء القبض على اعداد كبيرة من الشباب والنساء وكبار السن بعد محاصرتهم إلا أن المسيرة لم تتوقف ووصلت إلى ضريح الإمام الحسين عليه السلام , في الوقت الذي اشاعت فيه اجهزة البعث الكافر إلى وجود قنبلة موقوتة داخل ضريح الامام الحسين عليه السلام، مما أدى تولد الذعر في نفوس الجموع التي كانت في داخل الضريح، وهنا استغلت القوات الأمنية الفرصة وقامت بالقاء القبض على مجاميع كبيرة من الشباب ونقلهم إلى المعتقلات القريبة وكان من بين المعتقلين السيد محمد باقر الحكيم مما أدى إلى إضراب في الحوزة العلمية اعلنه المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر.
نهاية المطاف....
وفي نهاية المطاف يجب ان يعرف العالم على أنّ انتفاضة صفر المباركة كان لها الدور الفعّال والمهم في تغّير تأريخ العراق السياسي, حيث كان لها الفضل في تعرية الحزب البعثي الكافر وكسرت حاجز الخوف للامة ومهّدت لانتفاضات ومواقف جهادية أخرى مثل انتفاضة رجب 1398هجرية وانتفاضة الخامس عشر من شعبان 1415هجرية واخرها سقوط النظام الصدامي ونهاية عصر الطواغيت في العراق.
عطاء الدم....
لولا تلك التضحيات الجسام التي قدمتها الجماهير الحسينية في انتفاضة صفر العظيمة، لما شاهدنا اليوم كل هذا الزحف المليوني الى مرقد سيد الشهداء عليه السلام في كربلاء المقدسة
ان الدماء التي سالت على منحر الحرية في انتفاضة صفر تعتبر البذرة الاولى والشرارة الاولى لكل الانتفاضات ضد نظام البعث المقبور .
ان تلك الاجساد التي سالت دمائها من اجل الله تعالى , تحولت الى مشاعل للحرية أنعشت المحرومين وخرقت عروش الظالمين, واعطت درسا لكل الاجيال بان الظالم عمره قصير.
فسلام على تلك الاجساد الطاهرة يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث شاهدة على ظلم البعث الكافر واتباعه.
https://telegram.me/buratha