محمد عبد الجبار الشبوط ||
لكل مجتمع "طاقة حرارية" مختزنه. ويدرك وجود هذه الطاقة المفكرون والقادة، ولهذا نراهم يعملون من اجل استخراجها وتفجيرها واستخدامها لتحقيق اهدافهم. ومن هؤلاء ماوتسي تونغ (١٩٤٩-١٩٧٦) الذي قال ان الجماهير يمكن ان تتحول الى قوة مادية تغيّر التاريخ. و محمد باقر الصدر (١٩٣٥-١٩٨٠) الذي صاغ مصطلح "الطاقة الحرارية" وقال ان الجماهير قد تستكين ولكنها لا تستسلم. والشاعر التونسي الشاب ابو القاسم الشابي (١٩٠٩-١٩٣٤) الذي قال في ١٦ ايلول عام ١٩٣٣ "اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر".
وكثيرا ما فكرت بطريقة ما لحساب كمية الطاقة المختزنة لدى مجتمع من المجتمعات، او شعب من الشعوب، حتى اهتديت اخيرا الى امكانية استخدام معادلة اينشتاين (١٨٧٩-١٩٥٥) الشهيرة التي تنص على ان الطاقة تساوي الكتلة مضروبا بمربع سرعة الضوء، كما يلي:
ط=كxمربع سرعة الضوء
واذا اردنا محاكاة هذه المعادلة، مع الاخذ بنظر الاعتبار اختلاف الموضوعين لامكن القول ان الطاقة الحرارية المختزنة لدى اي مجتمع تساوي كتلة المجتمع (اي عدد افراده) مضروبا بعامل ثابت يمكن ان يكون ما اطلق عليه السيد الصدر "المثل الاعلى" للمجتمع. وبسبب اختلاف المثل العليا التي تؤمن بها المجتمعات، فان كمية الطاقة المختزنة في مجتمعين متساويين من حيث العدد سوف تختلف باختلاف نوعية المثل الاعلى الذي يؤمن به المجتمع.
وفي هذا السياق نظرت الى الجموع المليونية التي يزداد عددها كل سنة والذاهبة الى زيارة الامام الحسين، فقد اهتديت الى ان كمية الطاقة المختزنة في هذه الجموع تساوي الكتلة ( اي الملايين الزاحفة الى كربلاء) مضروبا في حب الامام الحسين. وبملاحظة ما يجري كل عام، يمكننا ان نتصور حجم الطاقة الهائلة لهذه الجموع.
وقد اجريتُ تجربة عملية تطبيقية لمعرفة حجم الطاقة المختزنة حين كنت رئيسا لشبكة الاعلام العراقي، حين اطلقتُ مشروع تشجير طريق الحسين، طريق الذاهبين مشيا الى كربلاء. وفي حينها حظي المشروع بتجاوب كبير من قبل من وصلهم صوته من الناس والمسؤولين بما فيهم محافظو المحافظات التي يمر بها الزائرون. وفي احدى المرات امكن زرع ٥ الاف شجيرة خلال نصف ساعة من قبل الزائرين بدون اعداد مسبق لهم. فقد وضعنا خمسة الاف شجيرة على طول احد مقاطع الطريق، مع تهيئة مواضعها في الارض، ووقفنا من عرض الطريق وطلبنا من الزائرين زرعها. وما هي الا لحظات حتى اندفع هولاء الى زراعة الشجيرات وانتهوا من المهمة كما قلت خلال حوالي نصف ساعة. كشفت هذه التجربة الرائدة عن الاستعداد المطلق لزائري الامام الحسين للقيام باي عمل خير مرتبط باسم الحسين. وبالتالي اكدت التجربة عن امكانية استثمار هذه الطاقة في تنفيذ الكثير من المشاريع بوقت اقل وكلفة مجانية.
اقول قولي هذا وانا اتأمل جموع الناس الذاهبين الى الامام الحسين مشيا، من الرجال والنساء، الشيوخ والشباب والاطفال، لا يمنعهم برد او حر او تعب من القيام بذلك، لاتخيل الطاقة الحرارية التي يملكها هؤلاء وهي تقاس بحجم حبهم للامام الحسين وهو حب لا يمكن قياسه بالمقاسات المادية العادية، انه كسرعة الضوء التي جعلها اينشتاين معيارا لحساب الطاقة الكامنة في الكتلة المادية. مع حفظ الفارق في ان سرعة الضوء محددة حسابيا برقم، لكن لا يمكن حساب حب الحسين بطريقة مماثلة.
يا قومي: اننا نملك طاقة هائلة تمشي على الارض كل عام من شتى جهات المعمورة الى كربلاء حبا بالرجل المدفون هناك، المستشهد من اجل منظومة قيم عليا حافة بالمركب الحضاري للمجتمع. لا شيء يمنعنا من استثمار هذه الطاقة الهائلة المختزنة من اجل اطلاق مشروع تاريخي للنهوض بالمجتمع العراقي.