قاسم العجرش ||
في المساحة مابين مفهوم الذاكرة السياسية، والتدوين العشوائي، مسافة يرمح فيها خيل الحقيقة القوية الدامغة!
تدوين الذاكرة السياسة ليست عملية إنتقاء، لما يمكن أن ينشر، وطمس ملا لايمكن نشره، والسياسي المتصدي ليس مجرد شاهد على ماحصل، بل هو فاعل اساسي من موقعه، لذلك فإن تدوين الذاكرة يجب أن ينسحب الى البحث في الزاوية القلقة من الذاكرة، وبما يشبه الحغر في الزاوية المظلمة من التاريخ.
بعضهم يتصور أن مقاربة الذاكرة ستضعه ضمن عملية "إستجواب" وسيتحول خلالها الى "متهم"، وأن الأسئلة المطروحة عليه هي بالحقيقة "لائحة إتهام "
ذلك الأسلوب هو صورة من صور القمع المعرفي الذي يمارسه الاعلام الموجه ، تمشياً مع دوره في ترويض العقل على قبول الرواية.
من دون شك فإن للذاكرة مستودعات، بعضها مغلق بالشمع الأحمر، بعضها الآخر مغطى بطبقة كثيفة من التراب وخيوط العناكب، بعضها وهو الأكثر شيوعا يحتاج الى منقب أثري أداته بالتنقيب لا تعدو آلة حفر صغيرة بحجم الملعقة!
معظم قيادات وكوادر المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي تجاوز عمره أربعين عاما وحول المناسبة بذكاء الى فرصة لتدوين الذاكرة السياسية لهذا النشكيل الذي يمكن عده الأعرق في الساحة السياسية الإسلامية العراقية، لا سيما الرعيلين ألاول والثاني. يحتفظون بمخزون ثري يتعين عليهم عدم الإحتفاظ به مغلقا الىالأبد، ولا بد لهم من أن ينشطوا ذاكرتهم، ويستخرجوا مكنوناتها، لأن عملية الإخراج واجب قبل أن تكون ترف فكري، وهي وما يحتفظ به المنتمي سياسيا من مخزون مسئولية تاريخية تجاه هذه التجربة، يستطيع بها أن يفرض إيقاعه السياسي، وستكون لكلمته مكانتها في تقييم هذه التجربة، كما أن للفضاء الذي يعرض فيه رأيه معنى هاماً في استيعاب ملامح ما ينتمي اليه.بدلاً من ترك المبادرة بيد الآخرين الذين سيوظفون ما لديهم بإتجاهات سلبية بالتأكيد.
لم تكن تجربة المجلس الأعلىالإسلامي العراقي مختزلة في أشخاص بعينهم، بل هنالك جيش كبير من المنتمين الذين يمتلكون خزينا هائلا لهذه الأربعين عاما، وهي تجربة ذات فضاء واسع، امتد من عملية مقارعة النظام الصدامي في ظروف معقدة، الى تحقيق الخلاص من نير الصدامية البغيضة، الىبناء دولة حديثة واجهت حرب التاسيس.
إبتداءا وبالنظر الى عمليةتأسيس المجلس الأعلى من معظم القوى السياسية العاراقية المعارضة، فإن المؤشر يؤشر نحو صعوبات دمج التراكيب الاجتماعية والسياسية المتناقضة والهشة في تكوين سياسي واجتماعي متجانس، إلا بجهد شاق ، وأحياناً تضحيات كبيرة . اعترف بها العالم، وتعامل معها باحترام، وأقامت علاقات دبلوماسية مع دول العالم والمنظمات الدولية، وكانت من أوائل التجارب السياسية التي أعترف بها العالم رسميا كممثل للشعب العراقي.
في كل هذا كان الطموح يصطدم بالصعوبات فيرتد إلى داخل المؤسسة السياسية في صورة خلافات حول المنهج السياسي والايديولوجي، ولم تكن القاعدة الاجتماعية التي تشكلت بفعل هذه التحولات غائبة حتى في نقاشات القيادة السياسية مما يشكل ضغوطاً قوية على اتخاذ القرار، ناهيك عن الميراث الاجتماعي المتراكم والمرحل من مرحلة الى اخرى.
اذا لم يتم تناول التجربة ، إيجاباً وسلباً ، بمنهج يضع الذاكرة السياسية في مسار صحيح ويجنبها الانسياق إلى الانتقائية التي تحاصرها في مساحات ضيقة من التجربة ، فإنه لا معنى لذلك ، وتبقى هناك تجربة انسانية تستحق أن تقيم بصورة أفضل ، وبأسلوب يتناول فضاءاتها التي لا يمكن اختزالها في صحيفة اتهام لا تبحث عن غير الأخطاء والسلبيات فقط .
لدي ثقة كبيرة أن تصحيح المنهج الذي يستعرض الذاكرة وذلك بتسليط الضوء على الفضاء الأوسع للتجربة.
https://telegram.me/buratha