ا.د. جهاد العكيلي *||
مع أن الكثير من علماء الدين إختلفوا بتفسير معنى (الباقيات الصالحات) إلا إنهم لم يختلفوا بالمعنى العام ومفاده، أعمال الخير سواء بالقول أو الفعل التي يبقي ثوابها للإنسان .. كما أن القول الذي ينسب للأمام علي عليه السلام (إعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) ضرب من ضروب الخيال يقود إلى حالة من حالات التعميم ..
وفي سياق هذا المفهوم نستطيع القول أن العمل وفق (أعمل لاخرتك كأنك تموت غدا) لا يمكن تعميمه طِبقا للواقع الذي نعيشه، وطبقا لظرف الناس، وتقلبات حياتهم المعيشية، ذلك أن الحياة الدنيا التي يعيشها الناس قد جردتهم من أشياء كثيرة حتى صارت مركزا للجذب والإستقطاب، فشغلتهم عن أمورٍ عديدة جعلت الكثير منهم يلهثون وراء كل شيء من أجل تحقيق حاجاتهم ورغباتهم وحتى أهوائهم في أحيان كثيرة لكن بعضهم صار مغرورا طامعا بدنياه ولا يكتف، بما هو ما بين يديه، متزينا بجمال الدنيا وما فيها من مباهج ومغريات غير آبهٍ لما يصيب الآخر من فقرٍ وعوز وحرمان جراء ذلك ..
وإذا ما وضعنا أصحاب الشأن السياسي في العراق بين هاتين الكفتين، كفة العمل الصالح والكسب المشروع وكفة الطمع والغرور، فأننا نجدهم في محل غير المعنيين لا بالباقيات الصالحات، ولا بـ (أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)، والمقياس العقلي في هذا يفيد بأنهم قد تراجعوا تماما عن مفهوم الحياة والإنسانية وهم يتسترون بأغطية كثيرة كوسيلة من وسائل خداع الناس والكذب عليهم لكسب المزيد من المال الحرام بطرق غير مشروعة، والتجاوز على حرمات وممتلكات الدولة، وكسر هيبتها وهيبة الشعب بطرق تهدف إلى تفقيره والسيطرة على ثرواته وأمواله، وهو ما يعني في النهاية تهميشه وإستلاب حقوقه التي تضمن له العيش بالحياة بالعمل الصالح، وليحيا فيها حياة حرة وكريمة أسوة بالأمم الأخرى كون هذه الأمم قد آمنت إن الخالق خلق هذه الحياة وجعل لهم فيها جزء لا يتجزأ من طقوس العبادة والتقرب للخالق فضلا عن الواجب الوطني الذي تؤديه تجاه شعوبها مسترشدين بقانون السماء وقانون الأرض بخلاف أصحاب السياسة في بلدنا الذين نراهم يتحدثون عن العدل والمساواة لكنّهم يبتعدون كل البعد عن (الباقيات الصالحات) حتى وإن كانت حقّا يكفله الدستور والقانون، فقد شغلتهم الدنيا بزينة المال والبنون فما الدنيا عندهم إلا متاع لحين ..
*/ كاتب عراقي