المقالات

عندما يحكم الطلقاء

1692 2021-09-15

 

د. عطور الموسوي ||

 

إن نكث بيعة الغدير والتنصل عن العهد الذي عاهدوا به الله ورسول لم تقف تأثيراتها على سلب حق الامام علي في الخلافة وانما صار ذلك النكوص سببا لكل مثلبة وقع فيها المسلمون بعد وفاة الرسول الأكرم بعد عام من تاريخها.

وفي ذكرى استشهاد إمامنا الحسن الزكي عليه السلام سنقف عند نتيجة واحدة من عدم الوفاء بالعهد والتنصل عن البيعة الا وهي تنصيب من لا يستحق على خلافة المسلمين، وماهي الا عقود قليلة الا وقد تولدت انحرافات في مسيرة الأمة الاسلامية، وأهمها اسناد مناصب لأشخاص غير مناسبين لها، كتنصيب معاوية بن أبي سفيان واليا على جزء من ولاية الشام في عهد الخليفة الثاني، ومن ثم جمع له الخليفة الثالث على ولاية الشام كلها، معاوية ابن الطلقاء وجوده في أرض الشام البعيدة الأقطار عن مهبط الوحي مؤشرا خطيرا أثر سلبا في ايمان أهل الشام ووجود أناس يحملون الاسلام أسما على غير مسمى، كيف لا والناس على دين ملوكها، معاوية الذي تعدى كل قيم الاسلام وتمسك بتقاليد الجاهلية وعادات أجداده المشركين، وأمه آكلة الأكباد، هو من بيت يضمر العداء لكل فضيلة لشعور بالنقص والدونية وافتقاره لمآثر العرب وأصالة النسب، وحسبهم خزيا أن بيوت الرايات الحمر قد ضيعت أنسابهم، فلا غر وإن تنضح آنيتهم بكل رذيلة، وقد ورد عن امامنا الحسن عليه السلام :" أيها الذاكر علياً أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك عتبة بن ربيعة و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكراً وألأمنا حسباً و شرّنا قديماً وحديثاً وأقدمنا كفراً و نفاقاً ".

"إن لله جنودا من عسل " مقولة رويت عنه وهي إن دلت فإنما تدل على كفره وتجاوزه لحدود الله، هو يفتخر بأنه قاتل المؤمنين ونسي قوله تعالى: " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً"، نعم حكم الشام واليا لمدة عشرين عاما، ونصب نفسه خليفة للمسلمين جميعا لمدة عشرين عاما لاحقة، وبذلك أشاع ثقافة القتل والاقصاء بحد السيف، وتلاشت قيم الاسلام الحنيف وصارت أرض الشام ملكا عضوضا له لا تمت الى الاسلام الا بالقشور.

قتل معاوية عددا كبيرا من خيرة الصحابة ومن أخلص البيعة للامام علي قتلا وحشيا، روي عن الصحابي حجر بن عدي  إنه قال لمن حضره من أهل بيته عندما أمر معاوية السياف بقطع رأسه: "لا تغسلوا عني دما ولا تطلقوا عني حديدا وادفنوني في ثيابي ، فإني التقي أنا ومعاوية على الجادة غدا"، وروي عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب انه قال : يا أهل العراق ، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود فقتل حجر بن عدي وأصحابه في مرج عذراء، عندما يشبه المقتولون على يديه بأصحاب الاخدود فان قاتلهم هو فرعون أو نمرود، هكذا كان معاوية.

 وفي حلكة ذلك الواقع المؤلم الذي ابتلي به المسلمون في عهد الطلقاء، ثمة ضفة منيرة وحبل متصل بين الارض والسماء، يبث أنوار الهداية الالهية ويقاوم مد التدهور القيمي الذي أراده بنو أمية مسرعين بالعودة الى الجاهلية الأولى، إنه الامام الحسن المجتبى عليه السلام ومن خلص ايمانه من المسلمين، أنهم الأكف البيضاء الممتدة الى جدهم هابيل، وتنازع كفه البيضاء مع كف أخيه السوداء قابيل، ومنذ ذلك الحين ظل هذا التنازع ماثلا والى قيام الساعة.

ولعل من أصعب من عاش محنة هذا التنازع مولانا الامام الحسن عليه السلام وشهد نكوص المسلمين وتفكك بنية المجتمع الاسلامي بإغراءات الدنيا التي سخرها معاوية من شراء ذمم وأكل سحت وتجاوز على حرمات المسلمين دمهم ومالهم وعرضهم أمر يقض مضجعه، فبين الحفاظ على بيضة الاسلام وبين مقاومة الطاغية معاوية ومعاول هدمه لأركان الاسلام قضى عليه السلام سنوات عمره بعد أبيه، يحمل هم الأمة يحيطه ثلة من المؤمنين خلص إيمانهم لله ولرسوله وأهل بيته، وهذا ما لم يرق لمعاوية الذي نصب نفسه (كسرى العرب)، كما نقل عن الخليفة الثانية انه نعته به، كسرى الكافر والعرب وليس المسلمون انها الردة الصريحة عن دين الله .

بعد أن زرع الفتنة في جيش الامام الحسن واشترى ذمما منهم وبدّل دين الله، ما اكتفى وظل يشعر بخطر كبير من وجوده كونه يهدم كل مخططاته، وزادت جرأته على الله ورسوله فدس السم لمولانا الحسن عليه السلام لتضاف هذه الجريمة على جرائم له لا تعد ولا تحصى واستمرت دولة بني أمية تحذو حذوه ومن بعدها دولة بني العباس، وظل الخطان المتناقضان الابيض والاسود ممتدان امتداد الخلق وتتدافع أكفهما حتى قيام الساعة والحكم العدل الذي لا تخفى عليه خافية .

الاربعاء 15 أيلول 2021

5 صفر 1443

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك