د. عطور الموسوي ||
إن نكث بيعة الغدير والتنصل عن العهد الذي عاهدوا به الله ورسول لم تقف تأثيراتها على سلب حق الامام علي في الخلافة وانما صار ذلك النكوص سببا لكل مثلبة وقع فيها المسلمون بعد وفاة الرسول الأكرم بعد عام من تاريخها.
وفي ذكرى استشهاد إمامنا الحسن الزكي عليه السلام سنقف عند نتيجة واحدة من عدم الوفاء بالعهد والتنصل عن البيعة الا وهي تنصيب من لا يستحق على خلافة المسلمين، وماهي الا عقود قليلة الا وقد تولدت انحرافات في مسيرة الأمة الاسلامية، وأهمها اسناد مناصب لأشخاص غير مناسبين لها، كتنصيب معاوية بن أبي سفيان واليا على جزء من ولاية الشام في عهد الخليفة الثاني، ومن ثم جمع له الخليفة الثالث على ولاية الشام كلها، معاوية ابن الطلقاء وجوده في أرض الشام البعيدة الأقطار عن مهبط الوحي مؤشرا خطيرا أثر سلبا في ايمان أهل الشام ووجود أناس يحملون الاسلام أسما على غير مسمى، كيف لا والناس على دين ملوكها، معاوية الذي تعدى كل قيم الاسلام وتمسك بتقاليد الجاهلية وعادات أجداده المشركين، وأمه آكلة الأكباد، هو من بيت يضمر العداء لكل فضيلة لشعور بالنقص والدونية وافتقاره لمآثر العرب وأصالة النسب، وحسبهم خزيا أن بيوت الرايات الحمر قد ضيعت أنسابهم، فلا غر وإن تنضح آنيتهم بكل رذيلة، وقد ورد عن امامنا الحسن عليه السلام :" أيها الذاكر علياً أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك عتبة بن ربيعة و جدتي خديجة و جدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكراً وألأمنا حسباً و شرّنا قديماً وحديثاً وأقدمنا كفراً و نفاقاً ".
"إن لله جنودا من عسل " مقولة رويت عنه وهي إن دلت فإنما تدل على كفره وتجاوزه لحدود الله، هو يفتخر بأنه قاتل المؤمنين ونسي قوله تعالى: " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً"، نعم حكم الشام واليا لمدة عشرين عاما، ونصب نفسه خليفة للمسلمين جميعا لمدة عشرين عاما لاحقة، وبذلك أشاع ثقافة القتل والاقصاء بحد السيف، وتلاشت قيم الاسلام الحنيف وصارت أرض الشام ملكا عضوضا له لا تمت الى الاسلام الا بالقشور.
قتل معاوية عددا كبيرا من خيرة الصحابة ومن أخلص البيعة للامام علي قتلا وحشيا، روي عن الصحابي حجر بن عدي إنه قال لمن حضره من أهل بيته عندما أمر معاوية السياف بقطع رأسه: "لا تغسلوا عني دما ولا تطلقوا عني حديدا وادفنوني في ثيابي ، فإني التقي أنا ومعاوية على الجادة غدا"، وروي عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب انه قال : يا أهل العراق ، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الاخدود فقتل حجر بن عدي وأصحابه في مرج عذراء، عندما يشبه المقتولون على يديه بأصحاب الاخدود فان قاتلهم هو فرعون أو نمرود، هكذا كان معاوية.
وفي حلكة ذلك الواقع المؤلم الذي ابتلي به المسلمون في عهد الطلقاء، ثمة ضفة منيرة وحبل متصل بين الارض والسماء، يبث أنوار الهداية الالهية ويقاوم مد التدهور القيمي الذي أراده بنو أمية مسرعين بالعودة الى الجاهلية الأولى، إنه الامام الحسن المجتبى عليه السلام ومن خلص ايمانه من المسلمين، أنهم الأكف البيضاء الممتدة الى جدهم هابيل، وتنازع كفه البيضاء مع كف أخيه السوداء قابيل، ومنذ ذلك الحين ظل هذا التنازع ماثلا والى قيام الساعة.
ولعل من أصعب من عاش محنة هذا التنازع مولانا الامام الحسن عليه السلام وشهد نكوص المسلمين وتفكك بنية المجتمع الاسلامي بإغراءات الدنيا التي سخرها معاوية من شراء ذمم وأكل سحت وتجاوز على حرمات المسلمين دمهم ومالهم وعرضهم أمر يقض مضجعه، فبين الحفاظ على بيضة الاسلام وبين مقاومة الطاغية معاوية ومعاول هدمه لأركان الاسلام قضى عليه السلام سنوات عمره بعد أبيه، يحمل هم الأمة يحيطه ثلة من المؤمنين خلص إيمانهم لله ولرسوله وأهل بيته، وهذا ما لم يرق لمعاوية الذي نصب نفسه (كسرى العرب)، كما نقل عن الخليفة الثانية انه نعته به، كسرى الكافر والعرب وليس المسلمون انها الردة الصريحة عن دين الله .
بعد أن زرع الفتنة في جيش الامام الحسن واشترى ذمما منهم وبدّل دين الله، ما اكتفى وظل يشعر بخطر كبير من وجوده كونه يهدم كل مخططاته، وزادت جرأته على الله ورسوله فدس السم لمولانا الحسن عليه السلام لتضاف هذه الجريمة على جرائم له لا تعد ولا تحصى واستمرت دولة بني أمية تحذو حذوه ومن بعدها دولة بني العباس، وظل الخطان المتناقضان الابيض والاسود ممتدان امتداد الخلق وتتدافع أكفهما حتى قيام الساعة والحكم العدل الذي لا تخفى عليه خافية .
الاربعاء 15 أيلول 2021
5 صفر 1443
https://telegram.me/buratha