سميرة الموسوي ||
لا أريد هنا أن يفهم أحد ما بأنني أفكر مجرد تفكير بالتقليل من أهمية حضارتنا العراقية التي تمتد بضعة آلاف من السنين في عمق التاريخ البشري.
تاريخنا نعتز به ،وإن لم يفدنا سوى أنه منحنا سمعة دولية ، نسجت لنا دعاية سياحية مغرية ،وحتى هذه الدعاية المجانية لم نستثمرها .
لكن حضارتنا الحقيقية بدأت بدخول الاسلام الى العراق ،وحينذاك ذاب بريق المورث الحضاري القديم بسطوع شمس الاسلام على العراق
لكن الاسلام دين ، خلق إنسانا مختلفا في التفكير ، وهذا جزء من مقومات الحضارة وليس الحضارة ، فمتى ما صار التفكير منتجا للتقدم على الاصعدة كافة تسامى حضارة ، ولكن بعض المؤرخين أطلقوا عليها الحضارة الاسلامية ، ورغم ذلك فإنها لم تنهض بنا وبحسب معايير النهوض التي تؤكد على نشوء الوعي العملي ، لماذا ؟ لان مباديء الاسلام أستخدمت للمنفعة الشخصية والفئوية ،ولا نريد التوسع بهذا الموضوع .
الذي خلق حضارة إسلامية بمفهومها الذي حدده القرآن الكريم ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .)هو الامام الحسين عليه السلام بثورته الاصلاحية الاستشهادية ضد من أراد ( للشعوب والقبائل) التناحر والتسلط وليس التعارف ، وضد الذي أراد أن يكون المستكبر هو المطاع وليس كما قال الله عز وجل ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وهذا هو أصل الحضارة ؛ أن يكون الانسان كريما تقيا .
لم نلمس أي وجود لمعطيات تاريخنا القديم في بنيتنا الاجتماعية التي يتشكل منها موقفنا من الحياة والموت والكون والانسان.
خلاصة القول هي أننا نتأثر بإستمرار بالفكر الديني عموما والفكر الاسلامي خصوصا ،ولكن ذلك التأثر يحتاج الى منهج مزدهر التأثير في البنية الاجتماعية ، ولا منهج عالميا سوى المنهج الذي تسامى سطوعا بيوم الطف ، ومن هنا بداية الحضارة الاسلامية ، فمن عمل بالفكر والمنهج فقد فاز بالوجود الكريم ومن لم يعمل بقي محاولا حتى يثوب الى يوم الطف فهو رشده.
منذ أن منحنا سيد الشهداء وبإرادة ربانية خلاصة فكر ومنهج الحضارة الكريمة لم تقم حضارة يعتد بها لانها لم تتبن الفكر ،ولم تسلك المنهج .
خلال السنوات القليلة الاخيرة الى اليوم بدأت تبزغ بوادر حضارة مستوعبة لأركان قيامها ، من دول شعبية _ الدول المعبرة عن ارادة شعبها __ تمثل الفكر الاسلامي بمواصفات أسباب الثورة الحسينية ، بوادر في الكثير من دول العالم تعبر عنها الشعوب بالرفض لكل فكر وسلوك إستكباري ومهما كان حجم ذلك الرفض فإنه يمثل زبدة المنهج بأصالة مفرداته ، كما يتجلى فكر ومنهج الطف في مواقف الكثير من الشعب العراقي ، والسوري ، واللبناني ، والايراني واليمني ، والفنزويلي ،وملامح من الافغاني ، وكذلك الصيني ، والروسي ، والكوري ، والتونسي ،... الخ.
يتجلى نسيج الحضارة في كل رفض إنساني صادق لكل ما يخدش حق وحرية وكرامة الانسان .
ثمة منهج حسيني منحته واقعة الطف للعالم ،حيث بدأت الحضارة الانسانية ...إننا الان في عصر الحضارة الحسينية.
وكان حقا علينا نصر المؤمنين .