حافظ آل بشارة ||
في ظل السباق الانتخابي هناك بعض الظواهر تتكرر في كل دورة بلا ملل حتى تتحول الى ذكريات ، منها مثلا استخدام البعض لامكانيات الدولة لخدمة الدعاية الانتخابية ، السلطة التنفيذية متوقفة عن العمل ، فهي معطلة او ميتة ، لكن بعض المرشحين يمتلك براعة نادرة فيستخرج من احشاء جثة الحكومة المحنطة اشياء عجيبة ، يستخرج جرافات ورافعات وسيارات حمل كبيرة لم تعمل من قبل ، لها لمعان يخطف الابصار فيقود اسطولا من الآليات الحكومية الجديدة لكي يقوم باعمال التنظيف والتبليط ، هو نفسه قبل سنة من الآن كان من اشرس دعاة منع استخدام امكانيات الدولة لاغراض انتخابية ! لكن في هذا اليوم المتميز يحتشد الناس من كل صوب مع اطفالهم يتفرجون على كيفية تبليط الشوارع للجماهير الكادحة ، فالقوم ينظفون ويبلطون ليس لوجه الله طبعا لأن بعضهم اللاهث وراء السلطة لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ويصلي ويبلط وينظف لكسب الاصوات ، واذا اردت ان تعرف الفرق بين التبليط الانتخابي والتبليط الحقيقي ستجد الفوارق واضحة ، ان تبليط الشركات عملية مطولة تتضمن التعلية الترابية للشارع والحدل والتنعيم وفرش المزيج الترابي ثم الحدل مجددا ثم طبقة التبليط السميكة التي صممت للبقاء خمسين سنة ، اما تبليط المرشحين فهو عمل احتفالي ظريف لطيف سريع طبقة تراب حافية على الارض بلا حدل فوقها طبقة اسفلت خفيفة هي عبارة عن خليط من الحصى والقير ، بعض المرشحين لا يجيد النطق بجملة للاعلام لكنه يفهم اكثر من المهندس المختص في شؤون التبليط الانتخابي السريع ، واذا كان تبليط الشركات النزيهة يبقى خمسين سنة فتبليط المرشحين عمره خمسون يوما ، ثم يبدأ التشقق والتخسف ومع كل طسة تنطلق في الهواء عاصفة من الشتائم الحديثة ذات الوزن والقافية يطلقها سائقو السيارات المارة ، شتائم موجهة الى مرشحي التبليط واجدادهم الماضين صعودا الى العصر المغولي بلا ذنب جناه الاجداد ، واذا اراد مواطن صالح يعيش على الفطرة ان يتصل بالمرشح ليخبره بنبأ خراب التبليط وهو يعتقد انه سوف يأسف ويغضب ويستدعي فرق الصيانة لتلافي الخراب يفاجأ بأن هاتف النائب مغلق ، اغلب الناس لا يعلمون ان تغيير الهواتف مرحلة شهيرة من مراحل الانتخابات النيابية .
مرشحون آخرون يذهبون مذاهب شتى لرسم صورة حسنة لهم امام الناخبين فمنهم من يقطع الوعود للعاطلين بالتعيين ويأمرهم باحضار الوثائق الاربع بملفات ملونة ، فترى الملفات اكواما تثقل كواهل غلمانه فهم (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ)...
مرشح فعل ذلك بقوة رغم انه كان من دعاة تشكيل مجلس الخدمة الاتحادي لكي يجري تعيين الموظفين بعدالة بين كل المحافظات .
اذن الاطراف السياسية المعروفة التي تريد السلطة لأجل السلطة تتمنى ان تبقى الشوارع ترابا تذروه الرياح لكي تستخدمها في عمليات التبليط الدعائي في كل دورة ، ويتمنون ان يتحول الشعب الى حشود فقراء لا يجدون قوت يومهم لكي يستخدموهم في لعبة التعيينات الوهمية في كل دورة ، وكل مكون يحتفظ بفقراءه ويستمتع بأنينهم ، لاستخدامهم في موسم الانتخابات المقبل ، وهم يحسبون الامور بدقة فلو بلغ المواطن مرحلة الكفاف فلن يبيع صوته بلفة گص ، ولن يبيع صوته بكارت شحن ابو العشرة ، وهكذا يصبح المواطن كبشا بين ذئبين ، فالاحتلال يريده ان يبقى فقيرا بلا مهنة ولا دولة ولا نظام ويعيده الى الحكم القبلي الذي تسوده الأمية والتناحر ، ويصبح من المستحيل نشوء حركة مقاومة وطنية ، وبعض القوى السياسية المفترسة تريد الناس ان يبقوا هكذا ليكونوا مجرد قطعان انتخابية ، فتصدق على المستفيدين الاثنين حكمة تقول : كلهم في الفلاة يطلب صيدا - انما الاختلاف في الشبكات .