د.عطور الموسوي ||
ثلاثة عقود ونيف من عمر العراقيين تسربت صبرا تحت نير نظام قمعي استبدادي انتهكت فيها حقوق الانسان بكل معاييرها العالمية لهي كفيلة بان تصنع عند الانسان العراقي حالة اغتراب سياسي واحباط من كل تغيير، وأن تشيع ثقافة الخضوع لدى جيلين عاشوا تلك الحقبة المظلمة .
رأس النظام المقبور صدام قد جمع كل السلطات تحت سطوته، فضلا عن أنه رئيس مجلس قيادة الثورة المنحل هذا المجلس الذي نص الدستور العراقي لعام 1970 قرارته لها سلطة القانون! وبذلك جمع كل الدولة بيده الظالمة واختصر عراقنا بلد الحضارات والديانات السماوية بعبارة أهانتنا جميعا : " اذا قال صدام قال العراق" وكيف لا وهو قد طغّته الحاشية وجعلت له من الاسماء والالقاب كأسماء الله الحسنى جرأة على الذات الإلهية.
بعد الانتفاضة الشعبية الشعبانية عام 1991 والتدخل الاممي وضغوطات دولية طرح صدام فكرة الاستفتاء على شخصه بكلمتي نعم او لا ، واعتبر هذا نقلة نوعية في الحكم نحو الديمقراطية التي طولب بها مكرها وليس مختارا بعد أن صار العالم قطبا واحدا امريكيا.
وحدد يوم 15 تشرين الاول من عام 1994 يوما للاستفتاء أسموه " الزحف الكبير " ، وانتشر شراذمته يخيفون الناس ويحذرونهم من مغبة عدم المشاركة لإضفاء صفة شرعية لمجرم أباد رجال العراق بين حروب متتالية وبين سجون واعدامات صبت الموت صبا عليهم وبأبشع الكيفيات، ولعل أقل تهديد صدر منهم هو ان لم تصوت ستقطع عنك الحصة التموينية وهذا يعني الجوع المحتم رغم شحة موادها وقلة كميتها التي لا تكفي لاكثر من اسبوع، وشائعات مغرضة بأن الاعتقال مصير من لم يشارك، وتشاءم الناس وكرهوا حياتهم وسنوات عمرهم المغمسة بالذلة تحت نير الظالمين.
رفضنا وزوجي أن نصوت وكنا في بداية حياتنا ولدينا طفلين بأمس الحاجة للحصة التموينية الهزيلة فلا وظائف لمن عارض البعث وإن كان يحمل أعلى الشهادات، وتوسل بنا أهالينا خشية علينا من بطش أزلام البعث، الا اننا زدنا إصرارا وثبتنا على موقف الرفض هذا ومهما تكن النتائج، ومضى يوم الاستفتاء ثقيلا ومكبرات الصوت تصدح في احيائنا بأناشيد التملق المقززة لشخص هذا المجرم .. موقف مازلنا نفخر به أمام ابنائنا وتحدٍ يرضي الله ورسوله كأعظم جهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر، ولم ينفذ البعثيون أيا من تهديداتهم الجوفاء.
وسقط حكم البعث وتهاوت أصنامه ومزقت صوره المنتشرة في أرجاء العراق واتيح للعراقي حق الترشيح والانتخاب بكل شفافية بعد أن نص الدستور على التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، لكن العراقي زهد بهذا الحق ذي الضمانة الدستورية ولم يستثمره كأداة للتغيير دون اكراه وفي مساحة كبيرة من الخيارات، فهل أن ترسبات يوم الزحف الكبير ما تزال في الاذهان؟ أم أنهم زهدوا به استسلاما مستمرا لما قبل 2003وردة فعل على ذلك القسر البعثي؟
حقا نحتاج الى دراسة حالة الاستخفاف بحق الانتخاب عند المواطن العراقي وقدرته الكبيرة على النقد دون أن يساهم في التغيير بممارسة هذا الحق الذي تتمناه شعوب في محيطنا الاقليمي تحت السلطة التقليدية المتوارثة من الآباء الى الأبناء .
الثلاثاء 8 أيلول 2021
29 محرم 1443