د. عطور الموسوي ||
مآسي متنوعة حلت بأهل البيت عليهم السلام عند واقعة الطف، وكل شخص من شخوصهم الكريم عاش محناً اليمة، الا إمامنا علي بن الحسين عليه السلام فإنه عاشها جميعها مرة متضررا بصورة مباشرة واخرى غير مباشرة .
وفي يوم استشهاده نحط رحالنا عند ذلك العام وعند اليوم الحادي عشر من المحرم وقد تلونت ارض الطفوف بدماء الشهداء واشلاءهم المقطعة، وخيام العيال غدت رمادا تذروه الرياح وشمر وزمرته يقودون هزيل النياق متجهين الى ذراري خير البرية شامتين هازئين يمنون انفسهم برضا طاغوت زمانهم وقد انشغل بعضهم بتثبيت رؤوس الشهداء على أسنة الرماح ولم يستثنوا رأس الطفل الرضيع..
أدار مولانا السجاد بصره تلك اللحظة وقلبه يتقطع أسا وأذناه تصطك بصراخ الايتام وهو ينوء بثقل الحديد الذي قيد جسده النحيف، وجامعة قد حزت رقبته المطهرة حتى أدمتها، لكن لسانه يلهج بالحمد فكل ما كتبه الله جميل عنده رفع طرفيه الى السماء شاكرا ربه ومحتسبا إياه على القادم من الاهوال .
من لحظة استشهاد والده صار أمام زمانهم ووجوده بين السبايا لهو جرم لا يغتفر لتلك العصابة التي قتلت ابن بنت نبيها الامام المفترض الطاعة ولم تكتفِ بل سبت خليفته وأساءت اليه بكل ما ينم من أوعيته النتنة وضربا وسبا وشماته .
كل ذلك ولم يمض على بعثة الهادي البشير الا بضع عقود، فأي نوع من البشر هؤلاء ادعوا الاسلام وما مثلوا من الاسلام الا رياءا ونفاقا .
وسار ركب الإباء وتناوب امامنا السجاد منبر الوعي مع عمته العقيلة وكأنهما يبثان شعاع النور في حلكة ظلام، نعم ما كان متاحا قبل هذا السبي ان يتهيأ هكذا جموع من المسلمين ويستمعوا لمنطق الوحي والاسلام الاصيل لا اسلام آل أمية المقولب حسب اهواء الجاهلية وهذه اول محطات النصر للنهضة الحسينية، وتحقق النصر كاملا في قصر يزيد وقد تحدث امامنا بلسان جده سيد البلغاء حيث قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِيعندما اعتلى اعواد المنبر في القصر الاموي وقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ، أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ، وَمِنَّا الطَّيَّارُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي.
أيًّها الناس، أنا ابنُ مكّةَ ومِنى، أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ مَن حَملَ الركن بأطراف الرِّدا، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خيرِ مَن طاف وسعى، أنا ابنُ خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابنُ مَن حُمِل على البُراق في الهواء، أنا ابن مَن أُسرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابنُ مَن بلَغَ به جبرئيلُ إلى سِدرة المنتهى، أنا ابنُ مَن دَنا فتدلّى، فكان قابَ قوسَينِ أو أدنى، أنا ابنُ مَن صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليلُ ما أوحى، أنا ابن محمّدٍ المصطفى، أنا ابنُ عليٍّ المرتضى، أنا ابن مَن ضرَبَ خَراطيمَ الخَلْق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله.
وارتعب يزيد مما جعله يأمر المؤذن برفع الأذان قبل أوانه، فلم يزل يقول: أنا أنا، حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشِيَ يزيدُ أن ينقلب الأمر عليه، فأمر المؤذّنَ فقطع عليه الكلام. فلمّا قال المؤذّن: اللهُ أكبر، الله أكبر.. قال عليّ: لا شيءَ أكبر من الله. فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله.. قال عليّ بن الحسين: شَهِد بها شَعري وبَشَري، ولحمي ودمي. فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله.. التفتَ مِن فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّدٌ هذا جَدّي أم جَدُّك يا يزيد؟! فإن زعمتَ أنّه جَدُّك فقد كذبتَ وكفرت، وإن زعمتَ أنّه جَدّي فلِمَ قتلتَ عترته ؟!
هذا هو نصر القلوب الثابتة على الايمان، نصر ينبثق من بين دماء الشهداء ليخزي الظالمين ويهزمهم في عقر دارهم ..
فسلام على من ظل صوته صادحا حتى يومنا هذا يخاطب القوم عبر الدعاء.
سلام على من دمعته ساكبة على مصاب الطف حتى قضى .
سلام على مولانا سيد الساجدين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
الجمعة
3أيلول 2021
25 محرم 1443