نعمه العبادي ||
وردني من أكثر من صديق منشور يتعلق بفكرة توطين لاجئين افغان عالقين في الامارات وقطر مقابل صفقة مالية، والمقترح المطروح هو توطينهم في محافظة الانبار محيط قاعدة عين الاسد، وقد طلبوا ثقة منهم، ان أبدي رأياً بذلك، ونظراً لأهمية الموضوع اشير الى الآتي:
١- شاءت اقدار الشعب الافغاني ان يكون عرضة للصراعات والحروب، والهجرة والتهجير خصوصاً في الخمسين سنة الماضية، فقد شهد موجات نزوح أبان الغزو السوفيتي، وبعد خروج السوفيت، وفي حكومة طالبان الاولى، واحداث ٢٠٠١ وخلال العشرين سنة المنصرمة في ظل التواجد الامريكي، خاتماً المطاف بموجة هجرة كبيرة، عبر البعض منها الحدود الايرانية والتركية والباكستانية، وربما تسلل البعض الى روسيا الاتحادية وطاجكستان إلا ان الدفعات الاكبر والاهم تلك التي عبرت من خلال الممر الآمن في مطار كابول خلال مهلة الاخلاء والانسحاب الامريكي، وقد تم نقل هذه الدفعات في مشهد هوليودي لا نظير له من قبل بطائرات عسكرية ومدنية الى قطر والامارات والكويت وقواعد ومطارات اخرى.
٢- بحسب المعلن فإن الفارين جراء سيطرة طالبان على البلاد يتكونون من : ( مواطنين عالقين لم يتمكنوا من العودة إلى محل قدومهم جراء الاحداث، حاملي فيزة سفر رسمية وربما حتى تذاكر سفر كانت لهم نية السفر الى جهة ما قبل وقوع الاحداث، معظم المتعاونين مع القوات الامريكية او بعض الاطراف الدولية خلال فترة التواجد الامريكي في افغانستان وهم الحصة الاكبر، خائفين من طالبان او اشخاص عليهم مؤشرات من قبلها، متسللين ضمن الجموع للحصول على فرصة للهجرة، اهداف مختارة تم دسها من قبل جهات استخبارية مختلفة لاهداف لاحقة).
٣- استنادا الى التصريحات الامريكية الرسمية، فإن الراغبين بالسفر الى امريكا او طالبي الهجرة واللجوء سيتم تدقيقهم أمنيا واجراء المقابلات المطلوبة لهم من قبل المؤسسات الامنية الاستخبارية خارج الحدود الامريكية، اي في مناطق إيواء هؤلاء القادمين مثل قاعدة العديد في قطر، وغيرها من المناطق، وبعد التأكد من سلامة موقفهم الامني (بحسب التصريح الامريكي) يتم نقلهم من جديد الى امريكا.
٤- لم تشير كل التعليقات الامريكية الى مصير الذين لم يتم قبولهم او الذين لم تقتنع السلطات الامريكية ببياناتهم، كما، ان الجهات الاخرى وخصوصا قطر والامارات لم تتحدث عن موقفها من توطين هؤلاء الفارين، ولا توجد اي صورة واضحة عن الاعداد ونوع الاشخاص الذي يمكن ان تتقبلهم، والحال نفسه لبقية الدول الاخرى ذات العلاقة.
٥- يعتمد وضع النزوح الافغاني وكميات تدفقاته اللاحقة ووجهة التدفقات الجديدة على طبيعة الوضع الامني والسياسي الذي ستكون عليه البلاد في المرحلة القادمة، ومن الراجح جدا، ان نشهد موجات نزوح اخرى، وربما عودة لبعض الذين فروا قلقاً او الذين لم يحصلوا على فرصة هجرة مناسبة.
٦- عقب الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وتهجير الفلسطينيين، تم تداول حديث لا يزال بعضه يعاد تداوله إلى يومنا هذا يتعلق بفكرة توطين فلسطنيين في صحراء الانبار كوطن بديل، وهناك حديث آخر اضعف وثاقة من الخبر السابق يتحدث عن وجود فكرة تم تداولها في اروقة الصهيونية العالمية يوما ما تتعلق بفكرة استقدام اليهود الى العراق او بعضهم وتحديداً الى صحراء الانبار.
٧- الرصد العلني والسري لمجريات اجتماع بغداد وكواليسه، لم يتسرب من اطرافه المشاركة اي حديث يتعلق بفكرة الايواء في العراق لللاجئين الافغان عبر طلب او اتفاق رسمي مع الحكومة او اي جهة عراقية صاحبة قرار في هذا الشأن، ومع احتمال طرحه بأي صيغة كانت، فمن الراجح ان يكون على نحو الفكرة او المقترح إلا اذا ظهرت مصادر مؤكدة تتحدث عن ترتيبات مسبقة تم الاتفاق عليها بخصوص هذا الملف مع جهة ما.
٨- قانوناً وعملياً، لا تملك اي حكومة فضلا عن احمد ابو ريشة سلطة قرار خطير من هذا النوع، فالمشهد السياسي العراقي منقسم وفيه توجهات مختلفة، وحتى الملف الامني يخضع للتقاطعات وتعدد التوجهات، وبسببها لم يتم حسم مشاكل اقل خطورة من ملف التوطين، كما هو الحال في ملف سنجار وسهل نينوى ومناطق اخرى، ومن الواضح ان توجهات قادة الانبار المؤثرين ومعظم اهاليها تميل الى الاستقرار والاعمار وابعاد اي عوامل او ظروف تهدد امن المنطقة.
٩- صحيح ان الشعب الافغاني شعب مظلوم ومضطهد، وقد كان عرضة للتهجير والقتل مرات عديدة إلا ان طبيعة مهجري ومهاجري الافغان من النوع واطيء الثقافة، كثير المشاكل، ميالين الى العيش على الاعانات، سلبي الموقف تجاه بلد المأوى، هذا كله في صورة المهاجرين والمهجرين العاديين كما هي كتلتهم البشرية في ايران، واما هذه الدفعة التي هربت الان والمتواجد معظمها في قطر والامارات فهي فئة اكثر خطورة، متلونة، ضعيفة الولاء الوطني، متورطة بعلاقات استخبارية مشبوهة، طامحة ومتسلقة، لها صلات مع الخارج، لذلك فهي كتلة بشرية لا يمكن حتى المجازفة بإيوائها على نحو الترانزيت لأيام محدودة.
١٠- في ذات السياق، من المهم التنبيه والتحذير من الوقوع في فخ اطروحة المرور المؤقت او التواجد المحدود، فبمجرد ان يصل هؤلاء إلى الاراضي العراقية لن يخرجوا منها.
١١- لتنشيط الذاكرة لا بد من التذكير ببلية ملف جماعة خلق وحزب العمال الكردستاني وملفات اخرى، دفع العراق جرائها ثمناً باهضاً من امنه واقتصاده وعلاقاته الدولية.
١٢- بناء على الخبرة السابقة فإن الامبرياليات الكبرى والاجهزة الاستخبارية العالمية اتجهت الى فلسفة ترويض الجماعات الخطرة، وتوظيفها بدلا من تصفيتها والقضاء عليها، وعودة طالبان خير شاهد على ذلك، والحال نفسه مع القاعدة وداعش، إذ لا تزال فرص استخدامها في تهديدات وابتزازات لهذه الدولة او تلك قائمة، لذا فإن هذا الملف اكثر من خطير، حينما يتم تحويل هذه الكتلة المدربة الى جماعة وظيفية جديدة يتم استخدامها في مهام اخرى خصوصا وان هناك توجه لتقليص الاعتماد على القوات النظامية، والعراق لا يزال يأن تحت وطئة ايام داعش السوداء وخطرها لا يزال قريباً، ومن المحتمل ان يكون بهذه المجموعة وبين داعش تخادم نكاية بعدو واحد لهما.
١٣- من المناسب ان تحسم الجهات الرسمية هذا الجدل بقول قاطع ينهي اللغط به، وتداولها في الفضاء العام حتى لا يتم توظيفه لتشويش الرأي العام.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha