محمد عبد الجبار الشبوط||
سلمني احد الاصدقاء الاعزاء نصا يفترض انه الورقة الوطنية للاصلاح التي تحدث عنها السيد مقتدى الصدر وكانت السبب في عدوله عن قراره السابق بالانسحاب من الانتخابات، واعلانه العودة اليها بتصميم اقوى.
وتخلو الورقة من اية اشارة تكفي لاعتبارها وثيقة رسمية بما في ذلك تواقيع الاشخاص لو الجهات التي صادقت عليها. ومع ذلك فسوف اتعامل معها في هذا المقال باعتبارها وثيقة رسمية موقعة من قبل اصحابها، حتى يتم الكشف عن اسمائهم.
ملاحظتي الاولى والاساسية على الورقة هو انها مجهولة المالك. فنحن لا نعرف من كتب الورقة ومن ايدها ومن عارضها، باستثناء السيد مقتدى الصدر الذي الغى قراره السابق بالانسحاب من الانتخابات بناء على ما جاء في الورقة. ولعمري ان ما جاء في الورقة من عموميات لا يكفي لالغاء قرار خطير كقرار الانسحاب من الانتخابات، رغم علمنا المسبق ان القرار لا قيمة له من الناحية القانونية.
يستطيع كل طرف ان يلزم نفسه بما يشاء من الوعود، لكن بشرطين هما: الاول الاعلان عن اسماء الملتزمين، والثاني: عدم اعطاء نفسه سلطة الزام الاخرين بها، بما في ذلك الحكومة الجديدة. ولكن هذا ما قامت به الورقة حين الزمت الحكومة القادمة بجملة من النقاط.
ورقة الاصلاح وطريقة الاعلان عنها وعدم شفافية المباحثات التي ادت اليها ومجهولية واضعيها والموقعين عليها كل اولئك يكشف مستوى فهم واضعي الورقة للديمقراطية، كما يكشف نوعية فهمهم للديمقراطية. والمستوى والنوعية يكشفان عن جهل مريع بمباديء الديمقراطية. عملية اخراج الورقة الاصلاحية، من الناحية الشكلية، تؤكد ان واضعي الورقة لا يعملون وفق مباديء واليات الديمقراطية، انما يعملون وفق الية وطريق مجلس قيادة ثورة الذي يعطي لنفسه صلاحية التقرير نيابة عن الغير. والغير هنا: الشعب، والحكومة المقبلة بعد الانتخابات. واسم هذه الطريقة ليس "الديمقراطية"، وانما "الوصاية الابوية". انهم لا يعلمون ان الدولة تتألف من عدة عناصر اولها الشعب، وان على القوى السياسية الطامحة او الطامعة بحكم الشعب ان تكون شفافة علنية صادقة مع شعبها.
هذا بغض النظر عن مضمون الورقة الذي قد يحتوى نوعين من المضامين: الجيدة والسيئة في نفس الوقت.
واذا كان واضعو الورقة لا يفهمون الديمقراطية ولا يعملون وفق الياتها، فانهم لا يمكن ان يقوموا ببناء الدولة الحضارية الحديثة. لان الديمقراطية من ركائز الدولة الحضارية الحديثة، وقد صادر واضعو الورقة هذا الاساس من جذره.
ندخل الان الى مضمون الورقة ومحتواها. تتخذ الورقة من الاصلاح عنوانا وهدفا لها. والاصلاح يستهدف معالجة نواحي الخلل في الدولة والمجتمع. وهذا يستلزم تشخيص نقاط الخلل وتحديد طرق علاجها.
وتتلخص نواحي الخلل في الدولة العراقية بالمركب الحضاري للدولة والقيم العليا الحافة بعناصره الخمسة. وهذا ما لم تتطرق اليه الورقة.
وبسبب هذا الخلل الحاد اصيبت الدولة العراقية بجملة من عيوب التأسيس في مقدمتها المحاصصة، وتحزيب المواقع الوظيفية في الدولة، وغياب المعارضة الحقيقية والفعلية، والتوافقية، وما يسمى بالتوازن الوطني، وتهميش المواطنة، واهمال التربية والتعليم، وغير ذلك مما يستوجب اصلاحه. وقد غاب كل ذلك عن الورقة الاصلاحية.
في التفصيل سوف اتناول فقرة واحدة هي فقرة تعديل الدستور. تعهدت الفقرة الاولى بتعديل الدستور خلال ستة اشهر. وهناك مطالبات شعبية كثيرة بتعديل الدستور. والمفهوم ان التعديل سوف يتم وفقا للاليات التي وضعها الدستور نفسه. الى هنا لا توجد مشكلة. انما المشكلة تبدأ اذا تساءلنا عن مضامين هذا التعديل. هل التعديل مطلوب لذاته، اي التعديل من اجل التعديل، ام ان هناك فقرات بعينها يراد تعديلها مثل الانتقال الى النظام الرئاسي كما يطالب بعض الناس. لا نجد شيئا من هذا في الورقة الاصلاحية المذكورة.
ويمكن مناقشة بقية الفقرات بموجب هذه الطريقة.