د. عطور الموسوي ||
منذ أن وصل الامام الحسين عليه السلام وركبه المبارك أرض كربلاء ظهر للعيان نوعين من السلوك الانساني، سلوك نمّ عن خلق الأنبياء والأوصياء وسلوك نمّ عن همجية الأدعياء.. ففي الوقت الذي يسقي ركب الحسين جيش الحر ماءا من متاعهم المحدود يمنع جيش ابن زياد آل البيت من ماء الفرات اللّامحدود المتاح لكل من دب على الارض.
ولعل ما جرى في يوم العاشر جعل الخيط الأبيض بين هذين السلوكين منبلِجا كشمس الضحى ولم يصعب لمن يراقب الفريقين أن يشخّص انتماء كل منهما ولم يختلط عليه الامر، وبدءا من حبس الماء عن معسكر الحسين كله دون أي رأفة بعياله وأطفاله.
برز الايمان كله للنفاق كله، يتخاذلون عند شجاعة جيش الحسين فيساومونه بعياله حيث يروعون بخيولهم مخيّمهم ليشغلوا الحسين عن قتالهم ومن ثم يحرقوا المخيم بما فيه لتفر النساء والاطفال وقد التهمت النار بعضا من ثيابهم، لم يقاتلوا قتال رجل لرجل وانما يحتوشون المقاتل بالعشرات منهم وقد برروا لأنفسهم تقطيع الفتيان الصغار إربا إربا بنفس الوضاعة القتالية، إنها ثقافة الغدر والختل هي التي حملوها من آبائهم الطلقاء، أو صاروا اليها عندما باعوا دينهم بدنياهم لابن الطلقاء.
لم يكتفوا بذبح سبط رسول الله وإنما وجهوا خيولا عتية تطأ جسده المطّهر ليختلط دمه بلحمه ويتناثر بحوافرها على أرض الطفوف شاهدا وشهيدا، رفعوا الرؤوس على الرماح ولم يستثنوا رأس الطفل الرضيع يسقط من الرمح لصغره ويثبتونه عنوة ولم تسبق هكذا وحشية في قاموس البشرية قط !
ومع ركب السبي تجلت دناءتهم من لحظة سوق بنات الوحي على نياقهم الهزيلة دون هودج او وطاء وحتى وصولهم الشام وكل محطة تبرز ملامح نأت الجاهلية الاولى عن وصفهم بها، إذ تعمد هؤلاء المرتزقة أن يسلكوا أبعد الطرق ومرورا بأكثر عدد من المدن والقرى امعانا بالأذى لأولئك النسوة والأطفال الفاقدين للأحبة بتلك الوحشية ولا حام لهم سوى إمامنا العليل (ع)، فضلا عن جرأتهم على ضربهم لهم بالسياط وهم مقيدين بسلاسل الحديد والدماء تسيل من أجسادهم الشريفة، وقد تعمدوا أن تتصدر الركب رؤوس الأولياء مضمخّة بالدماء دون أي مراعاة لمشاعر لذويهم صغارا وكبارا..
بعد محطات عديدة غيّرت فيها نساء النبوة معادلة النصر المزعوم لطاغية زمانهن الى هزيمة نكراء حينما تبدلت مشاعر العوام المنقادين لإعلام يزيد من شماتة وفرح الى بكاء وندم لخذلانهم ريحانة رسول الله .. نعم أريد لهذا الركب أن يكون (انجازا) لبني أمية فصيرّنه بنات الرسالة وعلى رأسهم مولاتنا الحوراء الى وصمة عار دائمة وقد توضح للعالم أنهم الطلقاء أبناء الطلقاء.
ووصل الركب أرض الشام ليجدوها قد تزينت بأوامر قصر الحكم المغتصب وبينما القبول تقرع بمظاهر الفرح استقبل الناس سبايا مسلمين في سابقة خطيرة وانحراف لنهج الاسلام، وأدخلوهم وهم آل بيت النبوة على يزيد الفاجر وعبرّت ابياته عن واقع السلوك المنحرف للطلقاء خليفة المسلمين يتباهى بأجداده المشركين ويعبر عن نصره على محمد وآله بشماتة تليق بأمثاله من بني ذوي الرايات الحمراء!
ولكن هيهات أبى الله للحق الا ان يعلو ولا يعلى عليه، وصدحت لبوة بني هاشم بلسان جدها وبلاغة ابيها بثقة المنتصرين بالله، وارتعد يزيد فرقا عندما رآى أنهم قد ضلّلوه بانتصاره الميداني وهم يهدونه رؤوس الابطال، فالنصر نصر القلوب الثابتة على الايمان.
وتستمر حكايات زينب حتى وصولها مدينة جدها الرسول (ص).
الجمعة 27 آب 2021
18 محرم 1443