قاسم العجرش ||
إبتداءً لا يمكننا العيش في هذا العالم، الذي بات أصغر فأصغر، بمعزل عن العلاقات مع غيرنا من الأمم والأقوام، والانعزال تجربة فاشلة بائسة، حاول كثيرون ركوبها ليحموا شعوبهم وأممهم، من التأثيرات السيئة للعلاقات مع الأمم الأخرى، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا، والأمثلة كثيرة؛ خصوصا أمثلة التأريخ المعاصر..الاتحاد السوفيتي ـ ستالين، الصين ـ ماوتسي تونغ، كمبوديا ـ بول بوت، ألبانيا ـ أنور خوجه، كوريا الشمالية ـ كيم أيل سونغ..منغولياـ هل سمعتم بمنغوليا؟!
الأمر ينسحب على مجتمعاتنا العربية الإسلامية، إذ نجد أنفسنا اليوم في ورطة، في مسألة العلاقات الغربية – العربية والإسلامية، حيث نقف اليوم، في العالم العربي خصوصا، أمام طرفين: طرف يوالي الغرب ويتبعه ليرضى عنه، معتقدا أن رضا الغرب، سيفتح له أبواب السماوات والأرض، وهو كي يصل إلى هذه النتيجة، يتهم الإسلام والعرب، معتقدا أن الغرب قمة في التحضر، وأن العرب المسلمين قمة بالتوحش، وأن شكل العلاقة مع الغرب يجب أن تكون اقتدائية، تابع ومتبوع..كي نكون بشرا؛ على حد تعبير أحد أقلام العلمانية العراقية الجائرة.
هؤلاء يعتقدون على نحو حاسم، بأنَّه لو سعت شعوب الشرق؛ إلى اللحاق بالركب الحضاري للغرب، واعتناق عقيدة “التنوير والتقدم” بشكلها الغربي، لكانت وفرت على نفسها البؤس والاحتلال والذل، وهو اعتقاد فيه الكثير من التقصير؛ لفهم كامل الصورة واعتبار خلفيتها التأريخية والثقافية.
وطرف آخر يذهب بالاتجاه المعاكس، فتراه يحضُّ على معاداة الغرب بطرق مختلفة، مستندا كما يرى، إلى تجربة مريرة مع الغرب، من الاستعمار والاستغلال والاحتلال.
صحيحٌ أنه لا ينبغي التقليل من شأن الفجوة الكبيرة الموجودة اليوم، بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، إلا أن كلا الطرفين توصلا إلى أنَّ أصل المشكلة، هي العلاقة بين الإسلام تحديدًا والغرب أو بين الدين والعلمانية.
في الذاكرة التأريخية للعرب والمسلمين، الحملات الصل..يبية، التي فاقت حتى ما سبقها من حملات قام بها الغرب المسيحي على الأرض المقدسة في فلسطين، من حيث الغدر والوحشية والجشع، وكانت الحصيلة النهائية لحرب الصليب، هي تأسيس كيان إس.رائ .ي .ل على أرض فلس..طي..ن، بدعم غربي ما يزال قائما ودائما ومستمرا.
الحديث هنا لا يدور عن شرٍّ محض يقابله خير محض، فلا يخلو تأريخ أي إمبراطورية أو دولة عظمى، من شرور مشابهة ومحاولات مشروعة وغير مشروعة؛ للسيادة وتوطيد الأركان والتوسُّع بأشكال مختلفة..لكن الحقيقة التي يجب أن يعيها كل العرب والمسلمين،أن قيام إسرائيل، كان ابتداءً على يد رجال قاتلوا تحت راية الص..ليب،!
إنَّ الغرب الذي نعرفه اليوم كغرب استعماري، من دون اختزال الغرب كله إلى مستعمر فقط، رغم أنه كان وما زال مستعمرا منذ نشوء الدولة الحديثة، نشأ وتَكوَّنَ مع الحروب الص..ليبية علينا، والتي يبدو أنها مازالت مستمرة لغاية اليوم، وستبقى قائمة إلى أجل غير منظور، وتغذى حتى منتصف القرن العشرين تقريبًا على مفردات “التنوير” !
سيشتد أوار هذه الحرب الظالمة، كلما شهد الواقع العربي الإسلامي ابتعاثا وانتعاشا، وما نشهده اليوم من اشتداد العداء الغربي للإسلام، إلا نتيجة الصحوة الإسلامية، وبروز الجمهورية الإسلامية في إيران، كمعادل قوة يُعتَدُّ به، في ميزان العلاقة الإسلامية مع الغرب المسيحي ـ الص..هـ..يون..ي.
كلام قبل السلام: إذا أَحْسَنَّا قراءة تأريخ الغرب، على المستويين الفكري اللاهوتي والسياسي، وفهمناه جيدًا واستنتجنا منه العبر، لَوفَّرْنا على أنفسنا كثيرا من المفاجئات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وَلَمَا قامت إس..رائ..يل، وَلَمَا قاتل صدام إيران، وَلَمَا احتل الأمريك..ان العراق، وَلَمَا تشكلت دولة الإمارات العربية المتحدة..!
سلام..
https://telegram.me/buratha