أمل هاني الياسري ||
· نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ أبداً/9!
كيف لا أبكي وقد مُنِعَ أبي من الماء؟! رحلة طفولة مريرة، عاشتها بنات البيت العلوي الطاهر، بين دخان ونار وخيام يأكلها الحقد الأموي، وبين مشاعل رؤوس طاهرة تالية للقرآن، عانقت أسنة الرماح؛ لتعلن قصة إنتصار الدم بدايتها، وإنطلاقها نحو سماء الحرية، فهناك طفلة عانت مشاق السبي، والزجر، والضرب، والعطش، والخوف، لأن حياة كربلاء لا تتم إلا بعطاء ثم عطاء، فتلك الصغيرة تقضي ليلها بالنحيب، على أبطال أحبة قتلوا غدراً وظلماً، إنها خولة بنت الحسين (عليهما السلام).
قبر في بعلبك لجسد طري، بقربه شجرة سرو معمرة ونادرة، ما تزال تنبض بالحياة، رغم جذورها الميتة منذ مئات السنين، وحكاية البراءة تقص رؤياها لأحد السادة، الذين يعيشون بالقرب من منطقة ساقية رأس العين، بمدينة بعلبك اللبنانية، حيث كانت تردده بمنامها مستغيثة:(يا عم حوّل الساقية عن قبري فإن مياهها آسنة تؤذيني)، فما لهذه العلوية الطاهرة من عنفوان، ليعلن عن قبر شامخ بات محط رحال الموالين، ومزاراً يحكي قصة السبي الأليمة، التي جرت على حرائر بيت النبوة.
لقد ورد ذكر إسم شجرة السرو، بكتاب الرحالة الإنكليزي (روبرت وود عام1757 ميلادية)، ونقل بعض الأشخاص التقاة، الذين كانوا يعيشون في بعلبك، أنهم كانوا يسمعون نحيباً بهذه البقعة الطاهرة، وكأنه أشبه بأنين طفلة تائهة، على أننا نقول: لم تتنهِ مصيبة كربلاء، في (العاشر من محرم سنة61 هجرية) بل بدأت منه، لتتوزع بعده قبورأجساد طُهرت، ويشاهد العالم بأسره، بشاعة الجرائم المرتبكة بحق الطفولة والنسوة، لما تعرضن لمشاهد الفزع، والترهيب، والإذلال، ولكن يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون.
خولة إحدى بنات الإمام الحسين (عليهما السلام) وفق الرواية التي نقلها أحد الشيعة، والذي خاطبته:(أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك)،كما أن الشجرة الموجودة قرب القبر، الإمام زين العابدين هو مَنْ زرعها، كحارس أمين للدلالة على مكان الضريح، ولتعاظم أهمية هذا المزار وكراماته، وثبوت وجوده المقدس، كونه إمتداد لحرائر البيت الحسيني، السبايا اللواتي قدمنَ من كربلاء، لدمشق مقر الطاغية يزيد، وطافوا المدن بهنَّ بغضاً بآل علي (عليه السلام)، لكنهم لم يدركوا أنهن بنات الوحي والنبوة.
أهم مصاديق الظلم النهاية الحتمية للظالم، وأن آهات المظلوم لا تضيع أبداً، رغم أن أزلام الطاغية حاولوا بشتى الطرق، إلغاء الفكر الثائر، الذي إنبعث بعد العاشر من محرم الحرام، عقب إستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، لكن وصيته للنسوة كانت تؤكد على ضرورة إتباع أوامر، وتوجيهات السيدة زينب الحوارء (عليها السلام)، ومنهن الطفلة خولة، ليصنعنَ على أثر ذلك ثورة إعلامية معطاء، ليس لطاقاتها حدود فهي تنسجم مع مشروع السماء، الذي إستشهد لأجله الحسين وإصحابه (عليهم السلام).
https://telegram.me/buratha