أمل هاني الياسري ||
كثيراً ما يُنظَر لزوجة الأب نظرة متطرفة، فقد تكون متشددة أحياناً، بسبب الرؤية الضيقة للبعض، حول سرقة هذه المرأة الوافدة الى البيت، لمكان الزوجة الأولى، بغض النظر عن أسباب وجودها، لكن التأريخ حفظ لنا بين دفاته نوعاً فريداً من النساء، خُلِقنَ لينجبنَ أسوداً ليدافعوا عن الأخوة والإمامة، رغم أنه أخاهم من والدهم، نعم إنها فاطمة بنت حزام الكلابية، زوجة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأول مؤشر لإنسانية هذه السيدة الجليلة، أنها رفضت تسميتها بإسمها، بل طلبت أن تُنَادى بأم البنين، حفاظاً على مشاعر الحسن، والحسين، وزينب (عليهم السلام)!
يذكر أرباب المقاتل أن أم البنين، كانت تصنع في الرمال، أربعة قبور وهمية لأبنائها الأربعة، وتفرد جانباً للإمام الحسين (عليه السلام) فتبكي طويلاً، وتحث ولدها العباس على نصرة أخيه السبط المعصوم، فقد خرج للقتال وهو ينادي: (إني أحامي عن ديني وعن إمام صادق اليقين)، وبهذا وضح للتأريخ المغرض، الذي كتبه أزلام الطاغية يزيد، أن دفاعه الملحمي لأجل الدين والعقيدة، حيث الحسين إمام مفترض الطاعة، وهذا ما أرضعته أم البنين لكافل الحوراء، سيدي أبي الفضل العباس (عليهما السلام).
بين أزقة المدينة المنورة هناك حياة أخرى، كان لها الجرأة الملحمية، في عدم إنهاء صلتها بالماضي، فهي لا تستطيع نسيان أول جرح وراء الباب، وما فعله القوم بسيدة نساء العالمين الزهراء(عليها السلام)، فلاعذر لها إلا أن يكون في رقبتها، دَين أقدمت على الإيفاء به بوساطة غيبية، بعد أن أصبحت زوجة لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، أثبتت فيه عمق الترابط الحسيني العباسي، فقد نذرت السيدة الفاضلة فاطمة بنت حزام الكلابية، أولادها الأربعة فداءً للدين والعقيدة.
يتيم قادم يزحف بألم ويوزع الأحلام، تحمله الجدة أم البنين، إنه أحد أطفال أبي الفضل، وعندما قَدِمَ بشر بن حذلم بصيحته: (يا أهل طبية لامقام لكم اليوم، قتل الحسين فأدمعي مدرار)، وإذا بالطفل يقع أرضاً، وينحني الظهر وجعاً وحزناً، يعادل فقد رسول الأمة محمد، وبضعته البتول، ووصيه علي(صلواته تعالى عليهم)،ولم تبدِ جزعها بفقد أبنائها الأربعة: جعفر، وعون، وعبدالله، وآخرهم العباس الذي ذاب عشقاً في الشهادة، وتقبل العزاء فقط لإستشهاد الحسين(عليه السلام)،وفاء منها لفاطمة الزهراء(عليها السلام).
أم البنين حكاية وفاء وإباء، أرادت لولدها ساقي العطاشى، الخلود يوم الطف بكفالته لأخته، حققت شيئاً يستجيب لكل العصور، ويمحي صورة رسمها تأريخنا المريض بشأن زوجة الأب، فصحيح أنها لم تنزل الميدان، ولم تعانِ السبي كنساء البيت الهاشمي، لكنها أنجبت من علي(عليه السلام) صاحب لواء الحسين الذي نزل الميدان ليقود التغيير، بقصة عطش وشهادة، وبدمه صنع نتاجاً ثميناً، بحجم كربلاء وماجرى فيها، فبإستشهاده صاح الحسين:(الآن إنكسر ظهري، وقلت حيلتي، وشمت بي عدوي)، إنه ابن أم البنين.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha