د.أمل الأسدي ||
وفي ليلة العاشر تبقی أبواب منازلنا مفتحة،وكأنها ترفض النوم،حزينة،مشنوقة الآه،فلايحق لها أن تصرخ عاليا: وا حسيناه
ومن قبل عشرة أيام قد فُتحت (القاصة) واستخرجت أمي المبلغ المجموع علی مدار العام،ستطبخ في يوم العباس (عليه السلام)،ويوم القاسم سنوزع عصير الرمان الطبيعي،وفي ليلة العاشر تسهر أمي لتعد (القيمة الكظماوية) ونبقی- نحن الأطفال- مستيقظين،نتجول من بيت إلی بيت،والكل مستيقظ،يسلم ويصلي علی الحسين وعلی علي بن الحسين وعلی قمر العشيرة وعلی أنصار الحسين.
أمي تقطِّع البصل الی شرائح فتدمع عيناها وكذلك عيوننا،ومع ذلك لانفارقها،فقد كانت تحكي لنا قصصا قديمة،قصصا من زمنٍ كانت فيه المواكب تجوب شوراع الكاظمية،والتشابيه كأنها حقيقة في شارع( باب المراد)ونحن نستمع بدهشة،كيف تكون المواكب والتشابيه؟! وهل سنراها في يوم من الأيام؟
وهكذا نبقی نسأل ونستمع حتی يأخذنا النوم فجرا،فننام بضع ساعات ونستيقظ علی صوت المقتل المنخفض،ورائحة الحطب،وطرقات الباب،فقد أتمّ جيراننا طبخ(الهريسة) وهم الآن يوزعونها.
لن ننظف المنزل حتی بعد الظهر،وتقلب أمي بعض القدور علی وجوهها كنوع من إظهار الحزن علی أبي عبد الله الحسين،مازلتُ أشعر أن هذه الساعات طويلة وثقيلة،وحزينة وجميلة أيضا لأنها في ذكر أهل البيت!!
قدر(التمن عنبر بالزعفران )علی النار(يتهدر)ورائحته زكية مختلفة،والقيمة الكظماوية صارت جاهزة(مدروخة تماما)،وصوت(ياحسين بضمايرنا)منخفض جدا في داخل البيت،وجيراننا المسيحية تأتي لتخلط القدر وتطلب(المراد) وأمي تدعو:ربي،لاتگطع لنا عادة،كل سنة وكل عام نطبخ!
نغرف الطعام في صحون(الفرفوري) الأنيقة ونوزعه علی الجيران،ونملأ القدور للأقارب والأصحاب أيضا،والكل يردد (سبحان الله،أكل ابو عبد الله غير شكل طعمه!!)
مضت الأيام وكبرنا ياسيدي الحسين،وكبرت معنا محبتنا وكبر تعلقنا بك،ولن نبتعد عنك حتی وإن كانت دموعنا بسبب هموم الدنيا وويلات الحياة وقسوتها،وليست بسبب البصل كما كنّا في الصغر!!
كبرنا وعرفنا أنك النور الذي يخفف عنا أعباء الدنيا،كبرنا وعرفنا أنك هوية العراق ومن يقف في وجهك مصيره مزابل التأريخ!!
كبرنا وعرفنا أن العباس بابك الذي تؤتی منه!!
كبرنا وعرفنا أن أموال معاوية مازالت تركض وتعمل!!
كبرنا ومازلنا نشكر الله علی نعمة الحسين
السلام علی الحسين وعلی علي بن الحسين وعلی أنصار الحسين وعلی قطيع الكفين،الكافل أبي الفضل العباس.
https://telegram.me/buratha