د.أمل الأسدي ||
من أيام والفضول يتلاعب بي، نفی كلَّ هدوئي وسكينتي، كلما وضعت رأسي علی الوسادة تفرُّ عيناي مني وتورثني السهر!!
تری ماذا يفعل والدي منذ أيام؟
لماذا يدخل المطبخَ ويغلق الباب؟
قررتُ أن أعرف السر!
لابد من ذلك!!
اليوم مساءً، بدأتُ أراقبه من ثقب الباب، رأيته يجلس، يستخرج صندوقا خشبيا من تحت (الكاونتر) وبجنبه جهاز المسجل، فأخرج مجموعة من (أشرطة الكاسيت) وأخذ يشغلها، ويقلبها علی الوجه الآخر ويشغلها أيضا!!
وبعد أن ينتهي من الاستماع لكل شريط يقص ورقة بيضاء ويكتب عليها،ثم يلصقها بشريط شفاف!!
وهكذا أكمل مجموعة من الأشرطة ثم أعادها في صندوق آخر، وغلفه بقطعة من (النايلون) السميك ودفعها تحت(الكاونتر)!!
في صبيحة اليوم التالي ذهبت أمي الی السوق، ووالدي في عمله، وأختي تغط في نوم عميق، وأخي في المدرسة، إذن لأباشر حملة إرضاء الفضول!
استخرجت الصندوق الأول، سحبت منه شريطا، شغلته، (صحنا بيك آمنا،ياحسين بضمايرنا) صوت قديم وحزين، اختنقت بعبرتي، أوقفت المسجل بسرعة، استخرجت( الكاسيت) لكن شريطه بقي عالقا داخل المسجل، اضطررت لقطعه، ثم أعدت كل شيء في مكانه، وبقيت أترقب، أفكر في اللحظة التي يكتشف فيها والدي الأمر!!
عادت أمي من السوق، مازالت تنظر اليّ وكأنها تغوص خلف وجهي!!
- علي شبيك؟ شو وجهك أصفر!!
لم أستطع إخفاء الأمر عنها، بحت لها بكل شيء، قالت لي: إنها ستذهب عصرا لتشتري طلاء الاظافر وتصلح الشريط، وطلبت مني ألا أقحم نفسي في أمور أكبر مني!!
خرجت وأنا منزعج من حكاية (أكبر مني) وهل قضية (الكاسيت وطلاء الأظافر ) أكبر مني؟!!
طرقت باب بيت صديقي (ميثاق) وما إن خرج وسألني عن حالي أخبرته بالقصة كاملة، فدخل مسرعا الی بيته، وأتی لي بـ (طلاء أظافر أحمر) وقال لي:اذهب وصلِّح الموقف!!
دخلتُ فرحا، أمي .. أمي.. هذا طلاء الأظافر!!
لا أدري لماذا أمي خمشت خدها هكذا وقالت:(عزا العزاني، رحنا ابلوة)!!
وبقيت توبخني وأمطرتني وابلا من الأسئلة:(مين جبته؟ شگتلهم؟ شحچيت لهم؟ خوما جبت طاري ابوك؟)!!
من شدة خوفي وارتباكي، قلت لها كاذبا:
أنني أخبرتهم بأن أختي من طلبته!!
حين عاد والدي عصرا لم تصمت أمي ولم تُخفِ عليه الأمر، ولم أسمع سوی كلمات والدي( بعده طفل ، هسة يكبر ويفتهم) ووقع الأقدام علی السلم،ولم أكف عن فضولي رحت أسترق السمع، فسمعت والدي يقول: (هنا محد يندلهن ابد)
فعرفت أنه أخفی الصندوقين فوق!!
الحمد لله، انتهی هذا اليوم العجيب، وإن كان القلق يسيطر علی والديّ، تناولنا العشاء وأبي يوصينا أن نكون بلا ألسنة!! يوصينا بالصمت كي نسلم!!
لم أفهم كثيرا ما يقصده، لكني أتذكر كلماته جيدا!!
جاء الليل، عمّ السكونُ بيتنا، ومثل كل يوم أيقظنا والدي فجرا للصلاة!! ومثل كل يوم نؤديها ونحن بعين واحدة، فالنعاس يمضغ الأخری!!
أمي بعد الصلاة بدأت (تعجن) وأبي يريد النوم قليلا قبل أن يذهب الی عمله!!
وضع رجله علی عتبة السلم الأولی ولم يستطع أن يرفع الثانية!!
عصفٌ مباغت في منزلنا، ضابطان ومجموعة من الشرطة!! قلبوا البيت كله،لحظات وشاهدتهم يجرون أبي من ياقته ويحملون الصندوقين ومعهما طلاء الأظافر الأحمر!!
بعدها كبرتُ جدا يا أبي!!